لفهما في بطانيتين ورماهما في بيَّارة

لفهما في بطانيتين ورماهما في بيَّارة

- ابراهيم البعداني
- تصوير: سام الجُحافي
هرع «البزي» على صوت الرصاصتين إلى الغرفة المجاورة  فوجدهما ممددين وصرخ في وجه الأب السفاح: أيش هذا يا خااااال قتلت فكري وصدااااام؟! فنهره بشدة: «أُسكت، ما دخلك، أخرج من الغرفة».
قبل شهرين في ليلة مشؤومة شهدت قرية أكمة الصعفاني (غرب مدينة إب) أبشع جريمة، ربما في تاريخها.
كان الليل هادئاً وكان الشقيقان فكري (22عاماً) وصدام (20 عاماً) سامرين يمضغان القات في إحدى غرف منزلهم، قبل أن يقتلا رمياً بالرصاص من مسدس الأب الذي شعر بجفاف مشاعره تجاههما منذ طلق امهما وتزوج بأخرى.
لا يتوقف سعيد الحجري عن الضرب والسب لولديه والتوبيخ دوماً، منفرداً وأمام الناس.
دخل سعيد الأب على ولديه وهما يتسامران، وقلبه يفور حنقاً وغضب، وبدا لتوه يشنِّع في الأعمال التي طلبها منهما. ولا بد أن فكري وصدام كانا يهدآنه، حيث يشتط غيضاً وحنقاً. وتواً أخرج مسدسه وصوب منه رصاصتين: الأولى اخترقت رأس فكري والثانية سكنت رأس صدام، وفوراً فارقا الحياة.
في هذه الأثناء سمع ابن شقيقته، الذيحل ضيفاً عليه، صوت الرصاص، وأسرع نحو الغرفة ليتفاجأ بولدي خاله ممدودين، والدماء تنزف من رأسيهما، فيما كان خاله سعيد يتلوى ويفكِّر كيف يواري سوأة ولديه.
صرخ النجري في وجه خاله: «أيش هذا يا خال ليش قتلت: فكري وصدااام؟!».
فكان الرد: «أُسكت ما لكش دخل. هيا اخرج من الغرفة».
خرج النجري من الغرفة ولكن الجاني خاف من الإبلاغ عنه، ولحقه تواً ليحبسه في غرفة مجاورة لغرفة الجريمة، كيما يتخلص من مواراة جريمته.
لف الأب الشقي ولديه في بطانيتين وإلى الحوش، وكان يفكر بدفنهما، لكن الحفر ليس سهلاً وربما ينكشف أمره.
وجد الرجل أمامه بيَّارة المنزل، فاتخذ منها قبراً لولديه، ودخل على (إبن أخته) المحبوس في غرفة وهدده بعدم الإفشاء، وإلاَّ فمصيره القتل.
مرت الأيام والجاني يمارس عمله بشكل طبيعي دون أن يعلم أحد بفعلته، ومصطحباً معه إلى العمل (البزي) ليملأ الفراغ الذي تركاه فكري وصدام وليأمن جانبه، وكان سعيد (الجاني) يجيب: «ما همش حق طلبة الله.. يعلم الله واين راحوا» عندما يسأله الناس عن ولديه. وساير الناس ظناً أن قسوة الأب سعيد أدت إلى هروب الشقيقين طفشاً. وحتى إبن اخت سعيد لم يكن ليعلم عن مصير الجثتين إذ لم يجرؤ حتى على السؤال.
وقبل أسبوع من شهر يوليو الجاري غادر سعيد الورشة متجهاً إلى منطقة خارج مدينة إب في مهمة عمل لإصلاح سيارة أحد المواطنين، بعد أن طلب من «البزي» الانتظار: «خلي بالك من الورشة يا ليد شارجع بعد يومين».
لكن الخائف من بطش خاله، انتهز الفرصة وهرب إلى القرية في منطقة الحجرية- تعزف، حيث تسكن أم الضحيتين المطلقة، منذ سنوات، و مرت ثلاثة أيام والأم تستنطقه عن أحوال ولديها فكري وصدام، وهو لا يقوى على البوح لخالته، إذ يتلعثم في الجواب، لكن تلكؤه ولَّد شعوراً لدى أحد أقاربه بأن شيئاً لا بد يخفيه الرجل الآتي من بعيد.
وبعد إلحاح منهم تمخض وأفصح عن المأساة وكيف عايش لحظات الجريمة التي لم تظهر حتى تلك الساعة.
وللتو قام أحدهم بإبلاغ بحث تعز و منه إلى بحث إب، وعلى الفور باشر الأخير عملية التحقيق في الموضوع ليلقي القبض على الجانب سعيد الحجري الذي أنكر ارتكاب الجريمة مؤكداً اختفاءهما منذ شهرين.
وعندما سُئل: «لماذا لم تبلغ عن اختفائهما؟» رد: «إيش الفائدة؟ أنا قلت ربما سيعودوا».
وبعد خمسة أيام من البحث اعترف الجاني بفعلته وأخبر بمكان الجثتين: في البيارة.
ومثَّل الجريمة امام ضابط البحث في منزله في أكمة الصعفاني، بعد أن استخرجتا من قعر البيارة.
ربما لم يكن سعيد الحجري (50عاماً) يتوقع هذا المصير المأساوي الذي قد يدفع رأسه ثمن حماقته وبشاعة فعلته.
لقد استوطنت القسوة قلبه مذ طلق أم أولاده السبعة (5 بنين أكبرهم فكري وصدام) وبنتان.