إب.. مليارات أبكت الطلبة، وأبهجت حديقة المحافظ

إب.. مليارات أبكت الطلبة، وأبهجت حديقة المحافظ - غمدان اليوسفي

"تنسيق حديقة منزل محافظ إب كلفت 10 ملايين ريالـ".. فقط..
كان الدكتور منصور الزنداني، عضو مجلس النواب، يقولها في البرلمان، بينما كان يشعر بأن أشخاصا خارج القاعة يقولون له وللعامة من الناس: "موتوا بغيضكم!" أو "بجوعكم!". لا فرق..
ربما جُلبت أشجار الحديقة من "حدائق بابل المعلقة"، التي لم يعد يعرفها أحد.
لن يأبه أحد لهذا. فمليارات تاهت بين حشائش المحافظة التي توشك أن تصبح "إب الجرداء".
ناقش البرلمان هذا الأسبوع تقرير لجنة الخدمات الخاص بالنزول الميداني إلى محافظة إب، وأورد فضائح كافية لإقالة جميع المسؤولين، من المحافظ ووزير الأشغال، إلى أصغر أمين صندوق.
وزير الأشغال عمر الكرشمي، كان يتحاشى الحديث عن مواصفات المشاريع التي أنجزت. لكن "مفردة" مضحكة سقطت سهوا من لسانه، وحاول عدم تكرارها في بقية حديثه، وهي أن المشاريع في إب نفذت بـ"مواصفات عالمية".
كان الناس لا يعرفون شكل ووجه عمر الكرشمي، الوزير القادم من عائلة أحد أكبر المقاولين في البلاد، وصاحب أكبر عدد من معدات المشاريع، ونجل لوزير سابق في نفس الوزارة. لكنه ظهر هذه المرة متحدثا عن النوايا والعزائم بأنها "متفقة" –يقصد بين البرلمانيين وبينه- حول "الخير للبلد". يكفي أن النوايا متفقة إذا!.
قال "إن الأضرار ليست بالحجم التي أظهرتها الصحف"، لكنه لم يقل إن الصحف الحكومية هي من تحدثت عن الأمر من بداية الأمر. مشيرا إلى أن من أسباب خراب المشاريع هو الفترة الزمنية "التي فرضت علينا العمل ليل نهار لتنجز المشاريع قبل يوم العيد"، مشيرا إلى أن السرعة "يرافقها بعض التجاوزات".
كان المصورون الصحفيون، أثناء مهرجان إب، يقفون على طاولة خشبية ذات جسم حديدي لتصوير وقائع الاحتفال. بعد إكمالهم التصوير من الطاولة جلسوا تحتها يتقون الشمس. كانت قوائم الطاولة تغوص في الإسفلت الجديد في الساحة الجديدة، وكأن الإسفلت قطعة حلوى هشة.
ابتسم المصورون لبعض، بينما كان المحافظ القيسي يتحدث مخاطبا الرئيس، ومترجيا إياه بإعلان محافظة إب "عاصمة للسياحة في اليمن.." ارتبك القيسي، وأخطأ في عدد المشاريع التي أنجزت بمناسبة عيد الوحدة؛ الأمر الذي تداركه الرئيس، وصحح له الرقم أمام الجميع.
سيتمنى الرئيس لو أنه لم يفتح باب الاحتفالات لهؤلاء. وبالتأكيد سيصاب بخيبة أمل جراء ما يحدث، وسيرى أن الاحتفالات لم تعد بحاجة لكل تلك الأموال؛ طالما وحزبه قادر على دفع جماهيره لإقامة احتفالات مجانية، حتى في العيد الذي لم يحتفل به الرئيس من قبل، وهو 17 يوليو، وبثت عبر الفضائية حتى ساعات متأخرة من الليل.
"بدل السهرة طبعا".
"نحن من بين الدول الأشد فقراً في العالم"، قالها البرلماني زيد الشامي، ونسي تلك الاحتفالات التي تظهر واقعاً هشاً لإشباع رغبات فردية، أو ربما للتغطية عن صورة لا يرغب المسؤولون بأن يشاهدها الرئيس.
تناثرت التصريحات الرسمية قبل عيد الوحدة، مشيرة إلى أن قيمة مشاريع عيد الوحدة أكثر من 250 مليار ريال. لكن الأمر بدأ بالتلاشي بعد أن انفضّ الحفل، وذهب الضيوف للبحث عن "لقمة"، أصبحت منعدمة في مدينة مكتظة بالضيوف والجنود.
أصبحت بعد ذلك 115 ملياراً، ثم 84، ثم 78، حتى وصلت في الحقيقة إلى 5 مليارات.. هكذا تهاوت الأمور وشبع مواطنو إب خطابات، وليس مشاريع.
كان العمال منهمكين، ليلة عيد الوحدة في إب، بإكمال تحسين وجه المدينة، بحيث أصبح من الصعب عليهم الاستمتاع بالألعاب النارية؛ لأن ساعة الحفل اقتربت: سفلته، تحسين، إنارة، تجميل بالألوان، كلها كانت لا زالت جارية، حتى أن إحدى شاحنات الجيش غرقت إطاراتها، فسدت الطريق الذين كان لا زال ترابيا ويجري شقه؛ الأمر الذي اضطر ضيوفا أجانب للانتظار قرابة ساعتين.
لازال المواطنون يبحثون عن تعويضات لأراضيهم التي أخذت، وتم وضع ساحة الاحتفالات فيها، وصُرف للجنة المنظمة 200 مليون ريال. لكن ذلك المبلغ لم يعرف مصيره بعد، بينما لازالت منطقة ميتم، التي احتضنت الحفل، تغرق في العطش.
 
91 طالبا يبحثون عن الوزير المسافر "باصرة"
أصبحت الاحتفالات نقمة على الكثيرين في إب، منهم 90 طالبا في جامعة إب، لم يشاركوا في احتفالات الوحدة. ولازالوا يؤدون امتحاناتهم، لكنهم سيرسبون بسبب استقطاع درجات أعمال السنة، بقرار من عميد كلية التجارة عبد الحكيم المنصوب، وبموافقة رئيس الجامعة أحمد شجاع الدين، لذات السبب: "رفضهم المشاركة في احتفالات 22 مايو". حيث قال العميد للمحرر إن ذلك ضمن "مخالفات صارمة وتخلف عن أداء واجب وطني".. للتأكيد أكرر: "واجب وطني!!".
قضية أخرى، تعد من أبرز قضايا سلب الحقوق، وهي قضية الطالبة سندس العطاب، التي تم فصلها من كليتها قبل تخرجها بأشهر، بتهمة أنها تحدثت للتلفزيون بأن وضع قسمها في كلية العلوم غير جيد. وتم مكافأة (رائد الشباب)، الذي تعمد طردها واستصدار قرار فصلها، بتعيينه عميدا للكلية، أثناء سفر خلفه في إجازة إلى القاهرة.
وزير التعليم العالي الدكتور صالح باصرة، لم يظهر له صوت في القضيتين لأسباب، أبرزها أن قضية سندس حدثت، وهو في إيطاليا، والطلبة ال 90، وهو في السودان. لكن الوقت لن يكون عائقا إذا أراد أن يفعل شيئا لأولئك المساكين، على الأقل لأن كثيراً من الأشياء انهارت في إب، ولم يكن الطلبة مسؤولين عن ذلك.
بعيدا عن شعارات "حرية الرأي والتعبير"، وشعارات دعم "تعليم الفتاة"، يبقى للقانون سلطة يستحسن أن يفعلها المسؤولون بعيدا عن المنطق القبلي الذي تكرر العلاج به، حتى أصبح هو المنطق الساري الأول في البلاد.
[email protected]