الاستثمار السعودي في كرة القدم وذكريات التجربة الصينية

نهاية العام المنصرم، تحديدًا في يوم الجمعة الموافق للثلاثين من ديسمبر 2022، أعلن "نادي النصر السعودي" عن صفقة انتقال النجم البرتغالي كريستيانو رونالدو إلى صفوف النادي السعودي بعقدٍ يمتدُّ حتى عام 2025، بعد أن فسخ اللاعب عقده مع ناديه السابق "مانشستر يونايتد" الإنجليزي.
وكانت تقارير إعلامية، سعودية وغربية، أفادت بأن اللاعب البرتغالي سيتقاضى 200 مليون يورو مقابل كل سنةٍ من عقده.
كان الرقم وقتها صادمًا لمتابعي أخبار كرة القدم، في الحقيقة كان صادمًا ومخيفًا للجميع: للمهتمين بأخبار الرياضة، وحتى الذين قرأوا الخبر مصادفةً.
وبموجب هذا الرقم أصبح كريستيانو رونالدو اللاعب الأعلى أجرًا في العالم؛ متجاوزًا بذلك -وقت إعلان الصفقة- ثلاثي "باريس سان جيرمان": ميسي، مبابي، ونيمار. وكذلك أبرز نجوم الدوري الإنجليزي، مثل: هالاند، صلاح، وديبروين.
صفقة تستهوي الإعلام الانجليزي
رونالدو ينضم رسمياً إلى نادي النصر السعودي (صورة خلال التوقيع)
أسالت الصفقة لعاب الإعلام الإنجليزي تحديدًا، وهو الذي اعتاد مهاجمة المستثمرين في الرياضة من غير الأمريكيين والأوروبيين، كما أثارت سخط الكثير من الجماهير العربية، خصوصًا مواطني الدول التي تعاني أزماتٍ اقتصاديةً تُضاعف من معاناة مواطنيها، وتحدُّ من قدرتهم على توفير أبسط متطلبات الحياة اليومية.
لكن المفاجأة -السّارة بالنسبة للسعوديين وعشّاق الدوري السعودي، ومثيرة لحنق كثيرٍ من متابعي كرة القدم من غير الفئة السالف ذكرها- أن الصفقة لم تكن سوى قص شريطٍ لعصرٍ جديد ربّما يغيّر الكثير من ملامح كرة القدم في العالم كلّه، عصر جديد من كرة القدم ترسم ملامحه أموال الأمراء السعوديين.
حديث ضم ميسي
المشروع السعودي كان على وشك تفجير مفاجأة أخرى -ربما أكبر من سابقتها- بإعلان ضم النجم الأرجنتيني ليونيل ميسي إلى صفوف "نادي الهلال السعودي"، حيث ألمحت العديد من مصادر الإعلام السعودية -سواء المتمثلة بأشخاصٍ ادّعوا حيازتهم معلومات مهمّة، أو حتى مؤسسات إعلامية كُبرى مثل صحيفة "عكاظ"- إلى اقتراب المُفاوض السعودي من الحصول على توقيع ميسي لصالح "الهلال السعودي". وكان الإعلامي الإيطالي الشهير فابريزيو رومانو أشار إلى أن قيمة العقد الذي قدّمه المفاوض السعودي للّاعب الأرجنتيني تبلغ 400 مليون يورو لكل سنة من عقد اللاعب.
بينما أفادت بعض المصادر الإعلامية أن قيمة العقد تجاوزت نصف مليار يورو مقابل كل سنة من تمثيل اللاعب الأرجنتيني لنادي "الهلال السعودي".
لكن ميسي في نهاية المطاف اختار أمريكا لتكون وجهته القادمة، نادي "ميامي" تحديدًا، المملوك للنجم الإنجليزي الشهير لاعب كرة القدم المعتزل ديفيد بيكهام.
المشروع السعودي لم يقف عند هذا الحد، ولم يكن ليكتفي بضم أشهر لاعبَي كرة قدم في القرن الحالي، إلى دوريهم المحلي (هذا الافتراض كان قائمًا على موافقة اللاعب الأرجنتيني على القدوم إلى المنطقة العربية، وهو ما لم يحصل)، بل ذهب السعوديّون إلى ما هو أبعد من شراء كبار السنّ من نجوم كرة القدم -كبار السن بالمعنى الذي تحتمله المفاهيم الكُروية للعبارة- حيث تُفيد بعض التحليلات أن هدف المشروع السعودي هو جلب لاعب من الطراز العالمي الأول لكل نادٍ من أندية الصف الأول في السعودية، بالإضافة إلى استقطاب بعض نجوم الأندية الأوروبية متوسطي الأعمار، وتوزيعهم على مختلف أندية الدوري السعودي. وهو ما نراه يتحقق الآن.
الفرضيّة السابقة أيضًا يعزّز من احتمالية صحّتها أن الاستثمار السعودي أنفق معظم ميزانية المشروع على الكرة المحلّية، فيما الاستثمار الخارجي المتمثّل بملكية نادي نيوكاسل يسير بخطى متمهّلة ورويّة غير معتادة على الاستثمارات الخليجيّة في الأندية الأوروبيّة.
من ناحيةٍ أخرى، فقد شاع في الوسط الرياضي أن المستثمرين في كرة القدم، عادةً، إنما يلجؤون للاستثمار في الرياضة لغسيل أموالهم القادمة من مصادر مشبوهة، كما هو الحال في بعض الأندية الأوروبية التي يملكها مليارديرات أمريكيّون وغير أمريكييّن، ولتبييض سمعة أنظمة الحكم لبعض الدول، مثلما هو الحال في ملكية مؤسسات استثمار إماراتية وقطرية لناديَي "مانشيستر سيتي" الإنجليزي و"باريس سان جيرمان" الفرنسي، على الترتيب.
هذا أيضًا ليس افتراضًا عشوائيًا؛ إذ سبق أن حذّرت هيئة دوليّة متخصّصة بمكافحة غسيل الأموال (FATF)، من أن لعبة كرة القدم استُخدمت كأداة لغسيل الأموال عبر صفقات شراء الأندية وعقود انتقال اللّاعبين والمراهنة على نتائج المباريات.
وفي تقرير الهيئة أيضًا ذكرت أن معظم نوادي كرة القدم خاسرة من الناحية الماليّة، لكن لعبة كرة القدم مزدهرة ورائجة؛ ممّا يوحي بأن تمويلها يجري من عائدات غير شرعيّة.
في الأخير، ستظل التساؤلات التالية مفتوحة على عديد الاحتمالات: هل يلقى المشروع السعودي مصير التجربة الصينيّة؟ أم أنّ المكسب والخسارة بلغة الحسابات الماليّة لن تؤثر على مدى بلوغ المشروع السعودي لأهدافه؟ على الأقل على المدى القريب، ومن منظور الجانب السعودي نفسه!