صنعاء 19C امطار خفيفة

اليمن في اتفاق طهران–الرياض الأخير

لم يكن الاتفاق الإيراني–السعودي برعاية الصين صفقة شاملة تُغلق كل الملفات دفعة واحدة، بل إطارًا لخفض التوتر وفتح قنوات التواصل، مع ترك القضايا المعقّدة — وفي مقدمتها اليمن — ضمن دائرة “الإدارة” لا “الحسم”. وما يجري اليوم يثبت أن الرياض وطهران اختارتا المضي في تحسين العلاقات الثنائية، حتى لو بقي الملف اليمني معلّقًا في هذه المرحلة.

الحديث الخارجي المتزايد عن تجاوز المرجعيات الثلاث يعكس تحوّلًا حقيقيًا في المقاربة الدولية للأزمة اليمنية. فهذه المرجعيات لم تعد قابلة للتطبيق، ولا مناسبة للمسار السياسي الراهن. لذلك طُرح سابقًا إصدار قرار أممي جديد يمنح خارطة الطريق شرعية بديلة، لكنه توقّف عند ملف “الإسناد” الذي رفعت صنعاء سقفه، مما دفع الأطراف الدولية والإقليمية إلى التريّث.
وما يلفت النظر اليوم هو تداولٌ محدود حول الحاجة لتعديل خارطة الطريق نفسها. من الناحية النظرية قد يفتح ذلك بابًا لخلاف جديد مع صنعاء، إلا أن التصريحات التي طرحت الموضوع تحمل في جوهرها رسالة تطمين: أن أي تعديل لن يكون عودة إلى أهداف الحرب الأولى، ولن يعيد فرض المرجعيات أو إنتاج صيغة تُقصي صنعاء. ولذلك يبدو هذا الطرح أقرب إلى مناورة دبلوماسية لشراء الوقت، لا مشروعًا حقيقيًا للتعديل.
في المحصلة، نحن أمام صيغة مُحدَّثة لإدارة الوضع القائم. تفاهمات الأمس باتت تحتاج إلى تفاهمات جديدة، لكن دون المساس بالتفاهمات السعودية–الإيرانية التي رعَتها بكين. وهذا يعني أن الملف اليمني لم يعد شرطًا للتقدّم في مسار تطبيع العلاقات بين الرياض وطهران، بل أصبح ملفًا تُرك معلّقًا بينما تتابع العاصمتان أولوياتهما الأكثر أهمية.
هذا المسار ليس جديدًا؛ فهو جزء من دبلوماسية “إدارة الأزمات” التي تعمل على إبقاء الأطراف جميعًا في دائرة رضا نسبي، بلا انتصار حاسم أو هزيمة مُعلنة. يُجمَّد ملف، وتُفتح نافذة في آخر، لضمان توازن هش لكنه قابل للاستمرار. وفي الحالة اليمنية، يبدو أن هذا هو الخيار الإقليمي المفضّل في المرحلة الراهنة: تثبيت الوضع كما هو إلى إشعار آخر، مع إبقاء الجميع في شعور دائم بأنهم رابحون — أو على الأقل غير خاسرين.

الكلمات الدلالية