صنعاء 19C امطار خفيفة

أزمة الشرعية والمشروعية لدى سلطات الواقع في اليمن

تكتسب السلطة -أية سلطة- قدرًا مهمًا من شرعيتها ومشروعيتها من الوفاء بالخدمات لجموع السكان أو المواطنين، وعلى رأسها خدمة دفع الرواتب والأجور المستحقة للموظفين والعاملين بشكل منتظم وثابت وعادل، بما هي أيضًا واجب دستوري وقانوني وأخلاقي، خصوصًا بالنسبة لسلطة تدعي تمثيل المواطنين، وتقوم بتحصيل الإيرادات العامة بما فيها من ضرائب وجمارك وواجبات ورسوم وغرامات وزكوات وغيرها من صنوف الاستقطاعات والجبايات.

غير أن سلطات الواقع في عموم اليمن لا تلتزم بتقديم الخدمات بشكل فعلي وعملي، وإن قدمتها فهي تقدمها بإقتار وبشكل شحيح وغير منتظم، بل نادر، وبتكلفة باهظة تنتفي معه معنى الخدمة ذاتها، وفي صدارتها خدمة دفع الأجور والمرتبات، حيث تكره الموظفين على العمل كسخرة، وخدمة الأمن المدني (الشرطة) والكهرباء والمياه والصرف الصحي والتعليم والصحة الجيدة والنظافة والإنترنت وغيرها.. وهذا يعني سقوط شرعية سلطات الواقع الحاكمة، وعدم مشروعية جمع الموارد وتحصيل الإيرادات العامة، بما فيها من ضرائب وجمارك وواجبات ورسوم وغرامات وزكوات وغيرها من صنوف الاستقطاعات والجبايات.
ولا يخفى على أحد أن جماعة الحوثي -التي تحكم سيطرتها على ما يقارب ثلث مساحة البلاد التي يقطنها ثلثا السكان- لا تدفع رواتب الموظفين في القطاع العام منذ حوالي تسع سنوات، وإذا ما دفعت نادرًا فهي تدفع نصف راتب بشكل موسمي لا يتعدى مرتين أو ثلاثًا بالعام، في سابقة صادمة ومشينة لم تحصل في أية دولة في العالم، سواء في حالة السلم أو الحرب، لكنها بالمقابل تسخر الأموال والموارد في شراء الأسلحة وإشعال الحروب والصراعات منذ نحو عقد من الزمن.
لتتبعها الحكومة اليمنية -المعترف بها من قبل الأمم المتحدة- مؤخرًا، إذ لم تدفع الرواتب منذ أزيد من ثلاثة أشهر على التوالي، بعد أن درجت خلال السنوات الماضية على دفع رواتب زهيدة القيمة جراء تدني القيمة الشرائية للعملة والتصخم. كما كشفت الحكومة -على لسان رئيس البنك المركزي- عن أن 147 جهة إيرادية وما نسبته 75٪ من الإيرادات العامة لا تورد للبنك المركزي، ويلتهمها غول الفساد!
فكيف تجرؤ حكومتا صنعاء وعدن على تعريف نفسيهما بأنهما حكومتان تمثلان الشعب اليمني، وهما تقومان بتحصيل الضرائب والجمارك والواجبات والرسوم والغرامات والزكوات وغيرها من صنوف الاستقطاعات والجبايات، دون تقديم الخدمات، ودون دفع الرواتب المستحقة، كما لا تفيان بالمشاريع، ولا تطوران البنية التحتية؟!
ومن المضحك المبكي أن لديهما وزارة مخصصة للخدمة المدنية لا تدفع الرواتب ولا تقوم بالتوظيف، ولديهما وزارة كهرباء لا تقدم كهرباء، ولديهما وزارة مياه وصرف صحي لا تقوم بوظيفتها، ووزارة تربية وتعليم تضر بالتعليم ولا تدفع رواتب المعلمين، ووزارة صحة بلا خدمات حقيقية أو خدمات رديئة وبأسعار عالية، ولا تدفع رواتب منسوبيها، ووزارة داخلية ومخابرات لا توفر الأمن للناس، ولا تلتزم بالقانون، وتلفق التهم، وتجبي الأموال من الناس، وتعذبهم بوسائل وطرق شتى.
إذا كانت هناك من دعوة للمواطنين اليمنيين في كل أنحاء اليمن، الواقعين تحت كافة سلطات الواقع، من قبل كاتب هذه السطور، فهي التحرك للعصيان المدني الشامل، بما يشمل الامتناع عن دفع الجبايات بمختلف مسمياتها، ورفع دعاوى أمام المحاكم المحلية والدولية نتيجة للأضرار والخسائر المادية والمعنوية التي يتكبدونها من قبل هذه السلطات ومسؤوليها، بكافة أشكالها ومستوياتها، بل وتنظيم أنفسهم في أطر ناظمة للإطاحة بهذه السلطات منزوعة الشرعية الفعلية، التي تنتحل تمثيلهم وتتفنن في جبايتهم وتجهيلهم وتجويعهم وقتلهم وإذلالهم، وفرض شرعية قانونية مسؤولة على أنقاضها تمثل إرادتهم الحرة، وتنال تأييدهم ورضاهم وقبولهم.

الكلمات الدلالية