صنعاء 19C امطار خفيفة

في قلب كل مؤسسة... إنسان

قد تبدو المؤسسات في ظاهرها كيانات جامدة: مبانٍ، مكاتب، أنظمة ولوائح. لكنها في حقيقتها كائن حيّ، تنبض بروح من فيها، وتنهض أو تتعثر بما يحمله الأفراد من قيم، ووعي، وأخلاق.

 
نميل أحيانًا إلى الحديث عن "فساد المؤسسات" أو "ضعف الأداء"، وكأن المؤسسة كيان معزول عن الناس. لكن الحقيقة الأبسط والأعمق هي أن الإنسان، بما فيه من إيمان أو شك، من ضمير أو لامبالاة، هو من يُحيي المؤسسة أو يُفرغها من معناها.
خطاب الكراهية، حين ينتشر في المجتمع، لا يتوقف عند البيوت والشارع والساحة العامة. بل يتسلل بصمت إلى داخل المؤسسات. يظهر في شكل تحيّز خفي، أو فرص تُمنح بناءً على الانتماء لا الكفاءة، أو نظرات تُقصي وتشكك فيمن يختلف عن السائد. وهنا، لا ينهار الأداء فقط، بل تضعف الثقة، وتبهت العدالة، ويشعر الإنسان—الذي هو المحرك الأول لكل مؤسسة—أنه لا يُحتَرم، ولا يُحتَضن، ولا يُرى.
لكن كما تُفسد الكراهية بيئة العمل، فإن الوعي الإنساني قادر على تجديدها. حين يُعامَل الفرد داخل المؤسسة ككائن كامل، لا مجرد رقم وظيفي أو خانة إدارية، يزدهر، يُبد، يُخلص، يتحمّل. حين تُبنى السياسات على العدل، ويُسمع الصوت الأضعف لا الأقوى فقط، يشعر الجميع أنهم معنيون ومشاركون في المسار.
المؤسسات التي تنجح ليست تلك التي تملك أفضل اللوائح، بل تلك التي تضع الكرامة الإنسانية في قلب كل بند. تلك التي تفهم أن الإنسان ليس أداةً لتنفيذ الأوامر، بل شريكًا في صياغة الغد. أن الاحترام ليس تفضّلًا، بل حق، وأن العدالة ليست شعارًا، بل ممارسة يومية تبدأ من أبسط قرار.
وإذا أردنا أن نعيد بناء ما تهدّم في محيطنا، فلا بد أن نبدأ من الداخل: من الإنسان، لا من الخارج فقط.
أنسنة المؤسسة ليست رفاهية، بل ضرورة. وهي تبدأ من فهم بسيط: أن وراء كل توقيع، كل قرار، كل إجراء... إنسان، له اسم، وله قصة، وله طاقة يمكن أن تبني أو تنهك.
فلنختَر أن نبني.

الكلمات الدلالية

إقرأ أيضاً