قال إن الفساد تمدد من الباب إلى المحراب
مجلس النواب يحذر من انهيار مؤسسات الدولة ويدعو لمحاسبة معرقلي لجانه

حذر مجلس النواب من التبعات الخطيرة لاستمرار عرقلة لجانه الميدانية ومنعها من أداء مهامها الرقابية، مؤكدًا أن هذه السلوكيات تمثل تهديدًا صريحًا لمؤسسات الدولة وتعكس غياب الإرادة الحقيقية لمكافحة الفساد وتعزيز مبدأ الشفافية.
جاء ذلك في اجتماع مشترك عقدته هيئة رئاسة مجلس النواب برئاسة الشيخ سلطان البركاني مع رؤساء الكتل البرلمانية يومي الأربعاء والخميس، عبر تقنية الاتصال المرئي، للوقوف أمام التطورات الاقتصادية المتسارعة وتقييم تقارير اللجان البرلمانية المكلفة بزيارات ميدانية إلى المحافظات.
وكشف الاجتماع عن تعرض اللجنة البرلمانية المكلفة بتقصي الحقائق في محافظات حضرموت والمهرة وسقطرى لاعتداء سافر من قبل مجاميع تابعة للمجلس الانتقالي، قامت بمحاصرتها داخل أحد الفنادق في مدينة المكلا الاثنين الماضي، وهددت باقتحامه بالقوة في حال لم تغادر اللجنة، وسط تقاعس مطلق من السلطة المحلية رغم المناشدات الرسمية بتوفير الحماية.
وحمّل المجلس السلطة المحلية في حضرموت المسؤولية الكاملة عن ما جرى، معتبرًا أن هذا الحادث يمثّل انتهاكًا للدستور وتكريسًا لمنطق الفوضى، مؤكدًا أنه لا يعبّر عن أبناء حضرموت الأوفياء وتقاليدهم في إكرام الضيف واحترام الدولة.
وأقرّ الاجتماع تعليق مهام لجنة (عدن – تعز – لحج – الضالع) بسبب الحادثة، في حين استمرت لجنة (مأرب – شبوة – أبين) في تنفيذ مهامها بمحافظة مأرب التي نالت إشادة خاصة من رئاسة المجلس لتعاونها واحترامها لأحكام الدستور وسيادة القانون.
وفي سياق متصل، كشف المجلس عن مراسلات رسمية وجهها رئيسه لرئيس الوزراء سالم بن بريك في السادس من يوليو الحالي، طالبًا توجيه الجهات الحكومية للتعاون مع اللجان، غير أن رئيس الحكومة لم يصدر التوجيهات المطلوبة، واكتفى بالقول إنه أصدر تعليمات لوزيري الإدارة المحلية والنفط، بينما بقيت رسائل التعاون حبيسة أدراج أحد موظفيه حتى اللحظة.
ووصف النواب سلوك رئيس الوزراء بالتضليل الواضح، مؤكدين أن تعاطيه مع البرلمان لا يعكس احترامًا للدستور ولا جدية في تمكين مؤسسات الدولة من أداء دورها الرقابي، مطالبين مجلس القيادة الرئاسي باتخاذ إجراءات فورية لمحاسبة كل من أعاق أعمال المجلس.
وتطرق الاجتماع إلى العراقيل المستمرة التي تواجه انعقاد مجلس النواب، رغم الجهود المتكررة التي بذلتها هيئة رئاسته بما في ذلك زيارات إلى عدن والرياض. وأوضح المجتمعون أن انعقاد المجلس كان مقررًا في 15 أغسطس 2023، إلا أن مجلس القيادة طلب التأجيل لأسباب إجرائية، ولم يتخذ منذ ذلك الحين أي خطوة عملية لتمكين المجلس من ممارسة دوره الدستوري.
وأكدت هيئة رئاسة المجلس أنها لن تصمت بعد اليوم، وقد "بلغ السيل الزبى"، مشددة على أن البرلمان سيواصل ممارسة مهامه كسلطة شرعية قائمة وفقًا للدستور، إلى حين إجراء انتخابات جديدة بعد زوال الظروف القاهرة، حسب ما تنص عليه المادة (65) من الدستور.
وشدد النواب على أن الفساد أصبح ظاهرة متغلغلة تهدد البنية الاقتصادية للدولة، بسبب غياب الرقابة وامتناع العديد من الجهات عن توريد الإيرادات إلى الخزينة العامة، واستحداث جبايات غير قانونية، ما أدى إلى عجز الدولة عن صرف المرتبات أو تقديم الخدمات الأساسية.
وأعرب الاجتماع عن خيبة أمل كبيرة إزاء "الوعود الكاذبة" التي أطلقها رئيس الوزراء أمام هيئة الرئاسة وسفراء الاتحاد الأوروبي، مشيرًا إلى أن تلك التصريحات لم تتجاوز حدود التسويق الإعلامي، وأن واقع التعامل مع السلطة التشريعية يعكس غيابًا تامًا للشفافية والمصداقية.
وأكد المجتمعون أن استعادة الدور الرقابي والتشريعي للبرلمان في العاصمة المؤقتة عدن ضرورة ملحة لتصحيح مسار الحكومة وضمان توجيه الموارد ومحاسبة الفاسدين، لافتين إلى أن البرلمان هو الركيزة الأساسية لنجاح أي مسار إصلاحي.
وفي ختام الاجتماع، كلفت هيئة الرئاسة لجانها البرلمانية بإعداد تقارير تفصيلية مدعومة بالوثائق والمعلومات من مختلف الجهات، تمهيدًا لعرضها في جلسات البرلمان القادمة، لضمان محاسبة الجهات المخالفة ووقف نهب المال العام.
كما توجه المجلس بالشكر لجهاز الرقابة والمحاسبة وبعض المؤسسات التي تعاونت مع اللجان، بالإضافة إلى الأصوات الحرة التي ساندت موقف المجلس ورفضت إهانة السلطة التشريعية، معتبرين أن معركة مكافحة الفساد لا تقبل التسويف أو التواطؤ، وأنها مسؤولية جماعية على عاتق كل مؤسسات الدولة.