صنعاء 19C امطار خفيفة

عبد الرحمن الغابري.. ذاكرة الضوء وأثير الوطن

عبد الرحمن الغابري.. ذاكرة الضوء وأثير الوطن

كإشراقات ملهمة، تمر علينا شخصيات نادرة، لا تضيء الطريق فقط، بل تنير تاريخا بكامله. توثق الظل والهجير، وتلتقط بالشغف ما يعجز عن ترويضه الحبر.

ومن هؤلاء، ينهض الفنان متنوع الإبداع عبد الرحمن الغابري كشاهد نزيه على لحظات وطن، وكضمير يقظ في زمن العتمة.
الغابري ليس مجرد فوتوغرافي، بل هو حدقة أرواحنا، ومقلة تنظر إلى الآفاق وتبثّ فيها الروح.
عباس غالب وعبدالرحمن الغابري( منصات التواصل)
صوره تتخطى الجمال البصري إلى توثيق وجداني عميق. 
سجل بلغة الضوء تاريخ الناس، والشجر، والحجر.
ظله امتد إلى الأقاصي، إلى كل تضاريس الجغرافيا اليمنية.
زار الأمكنة، لا سائحا بل عاشقا؛ لا عابرا بل شاهدًا ومؤرخا.
ترك في كل زاوية بصمة روحه، وترك المكان في قلب صاحبنا حنين.
 
لم يكن يوما محايدا أمام القبح أو الخذلان، ولم ينحنِ رأسه إلا في حضرة الجمال والدهشة والألم.
أديب كبير، وصديق الأدباء الكبار.
تمنيت صداقته قبل أن أعرفه بسنوات، وازددت يقينا بجمال كل تفاصيله حين أصبح صديقي.
عرفته في منتدى أبينا الدكتور عبد العزيز المقالح.
كان ذاك النهار بالنسبة لي فتحا من الله ونصرا أكيد.
في حضوره حضورٌ أنيق، وفي غيابه توق للقاء قريب.
سقطرى بعدسة عبدالرحمن الغابري
 يعلم الجميع، وأدرك جيدا، أن هذه الدولة المتشظية لا تعي أن تكريم مبدعيها هو تقدير للناس ورد لاعتبارهم الأدبي. لكن هيهات منهم الفهم بأهمية ثرواتنا الإبداعية.
 
الغابري في غنى عن أي تكريم. إنه مكرم من قلوب الناس؛ من الأزقة، والميادين، من الأطفال الذين التقط لهم صورا وهم يضحكون رغم جوعهم، من النساء الكادحات، من الصبايا اليافعات، من الشيوخ الذين شاهدوه يحاور الأرض والبحر والسماء، من كل من رأى في أعماله مرآة لداخله الجميل.
 
بعدسته، صنعاء تكتسي أجمل حللها على مستوى العالم؛ وبها عرفت الثقافة والهندسة العالمية هندسة شبام حضرموت. 
سقطرى! قبل الغابري كانت في مخيال العالم شيئًا، وبعده شيئا آخر.
صنعاء بعدسة عبدالرحمن الغابري
قدم للعالم اليمن كما ينبغي، لا كما هي بعد الطمس. 
أعماله كالنبيذ المعتق، تزداد بمرور الوقت تأثيرا وقيمة.
كل لقطة له قصيدة، كل ظلالٍ في صوره حكاية، وكل وجوه فيها مراثٍ وبهجة.
في زمن تُنسى فيه الوجوه سريعا، سيبقى صاحبنا خالدا في وجداننا، وسيعيش من خلال أعماله مئات السنين.
 
كيف نرد لك الجميل؟ عفوا سيدي، لا نستطيع. غفرانك، صديقي، لا نملك سوى الامتنان.
 
سلام على الغابري.. الفنان، الأديب، الروائي، المؤرخ البصري، الإنسان، والذاكرة.

الكلمات الدلالية

إقرأ أيضاً