صنعاء 19C امطار خفيفة

عن تأزم الوضع السوري

2025-07-17

ارتكبت السلطة السورية الجديدة جرائم حرب شائنة. وقعت في حفرة انتهاكات وتجاوزات سيئة ومسيئة. لا شك في كل هذا. وما لم تراجع هذه السلطة الناشئة حساباتها، ستجد نفسها محاصرة داخل حدود تأييد طائفي ضيق، وستخسر، شيئًا فشيئًا، نفوذها على الأرض. والأهم من ذلك، ستخسر المشروعية القائمة على دعوى الانتماء لثورة الشعب السوري. وبالإضافة إلى السقوط الأخلاقي الذي عبرت عنه تلك التجاوزات، فهي تمثل اتجاهًا مخيفًا تسير فيه حكومة دمشق متسلحة بخيارات غبية.

 

كان بإمكانهم إحراز مكاسب إقصاء الأطراف الحاملة للسلاح غير الشرعي، كما تصفهم الدولة، دون اللجوء لسلوكيات ترهب مدنيي المحافظات ذات الأغلبية الدرزية، وتدفع بهم إلى صفوف مسلحي حكمت الهجري؛ باعتبارهم يخوضون معًا، وإن اختلفوا في التوجه السياسي، معركة بقاء وكرامة. المقلق أكثر، أن هذه الممارسات ليست جديدة من نوعها تمامًا، بل إنها تذكر الجميع بأحداث الساحل، وتلصق بمرتكبيها أكثر تهمة منهجية السلوك الذي يبدو في بعض تمظهراته إباديًا طائفيًا. وهو الأمر الذي يستمر المستوى السياسي الأعلى بإنكاره، عبر بيانات تتعهد بمحاسبة المتورطين في أفعال تمس كرامة وسلامة المواطنين العزّل. إذن، موقف الرئاسة السورية يقول بأن تلك الانتهاكات ارتكبتها عناصر متمردة على قرار وتوجه القيادة العليا. وبالتالي فهم مستحقون للمحاسبة القانونية. هكذا قال الشرع، وخطا بعض الخطوات في هذا المسار، عبر تشكيل لجان تحقيق تتقصى تفاصيل أحداث الساحل. لتنتهي، بحسب المفترض والمتفق عليه، إلى نتائج تقدم الجناة إلى العدالة. مرت شهور منذ تشكلت تلك اللجان، وإلى الآن لا نعرف بالضبط طبيعة ومصير جهودها. على أن هذا التباين المستمر، في علاقة الموقف الرسمي بالتجاوزات والانتهاكات المتكررة التي ترتكبها عناصر الجهات التنفيذية، يستنزف رصيد الثقة الذي كانت حكومة الشرع اكتسبته عند كثير من مواطنيها، نتيجة خطابات التطمين المتكررة، والإشارات المستمرة إلى القطيعة الكاملة مع عهد الطغيان البائد. هذا التباين الخطير، سيدفع بكثير من المنتمين إلى الأقليات الطائفية والعرقية والسياسية، وهنا أعني المواطنين السوريين غير المنخرطين في مشروعات مظلوم عبدي وحكمت الهجري وأشباههما، إلى التفكير بخيارات تعصمهم من بطش الطغيان الجديد.

في المقابل، يرتكب خطأً جسيمًا من يغتنم الأحداث الأخيرة فرصة لتلميع صور المجموعات المسلحة سيئة السمعة، ووضعها جنبًا إلى جنب المكونات المدنية التي تنتمي إليها عبر رابطة الطائفة أو العرق. هذه إساءة وإدانة للمكون المدني المسالم قبل أي شيء آخر.

هؤلاء المسلحون يعبرون، في خطابهم وعبر ممارساتهم، عن طموح إلى نموذج أبعد ما يكون عن المشروع الوطني الذي نتطلع إليه جميعًا.

ومن هنا، فالرأي القائل بأن الحل يبدأ عبر حكم ذاتي للدروز، ومثله إدارة ذاتية للكرد، وللعلويين في الساحل وضعهم الخاص، هو رأي يريد، وإن بغير قصد، أن يضع مصير البلاد على طاولة لعبة رميات الزهر.

لماذا لا يحظى كل حي سوري بفرصة تفصيل دولة على مقاسه إذن؟

نستطيع أن نستمر بتخيل المزيد من الفرضيات؛ إذ لا يوجد لخيارات التجزيء نهاية.

وإذا كان مشروع الدولة المدنية الديمقراطية العادلة الذي نتبناه، غير قابل للتحقق، وفق المعطيات القائمة، إلا في مخيلاتنا؛ فما البديل الممكن إذن؟

هناك من يفضل حالة الفوضى والعدم واللاشيء، على أن يمنح الحكام الجدد فرصة تحسين نموذجهم، وفرصة أن يوضعوا في دائرة المساءلة والمحاسبة.

غير أن المؤكد أيضًا أنه بدون تحديد هوية السلطة المسؤولة تحديدًا شاملًا، وبدون سيادتها على كامل التراب الوطني، لن يكون هناك تيار معارضة واضح المنطلقات والأدوات والغايات، ولن ينبثق عن الحالة العدمية مشروع دولة المواطنة.

الكلمات الدلالية

إقرأ أيضاً