صنعاء 19C امطار خفيفة

وطن لا يكتمل بلا تماسك

في كل بيت، مهما كان متواضعًا، ثمة أعمدة غير مرئية تحفظ توازنه: المحبة، الاحترام، التفاهم، الشعور بالمسؤولية المشتركة. كذلك هو الوطن. ليس الأرض وحدها ما يصنعه، ولا العلم، ولا التاريخ المكتوب، بل الروابط التي تجمع بين أفراده، وتشدّ لحمتهم في وجه التحولات والتحديات.

 

حين نفكر في مفهوم "التماسك الاجتماعي"، قد يبدو مصطلحًا نظريًا أو سياسيًا. لكنه في جوهره شيء بسيط جدًا: كيف ننظر لبعضنا؟ كيف نتعامل مع اختلافاتنا؟ هل نشعر بأننا ننتمي لبعض، رغم تباين الأسماء، واللهجات، والمناطق، والتجارب، والمذاهب، وحتى الأديان؟

خطاب الكراهية لا يُفرّق فقط بين أفراد المجتمع، بل يخلق جزرًا معزولة من الشك والريبة والخوف. يبدأ بتغذية صورة نمطية، ثم يتضخم ليصبح نظرة عامة، حتى تتحول الفروقات الطبيعية إلى "تهديد"، والاختلاف إلى "عداء". وفجأة، يجد الناس أنفسهم غرباء داخل وطنهم، غير ممثلين، غير مسموعين، بل وغير مرئيين أحيانًا.

لكن هل يمكن لوطن أن يستقر، إن كان بعض أبنائه يشعرون بأنهم عبء عليه لا جزء منه؟ هل تبنى الثقة بسياسات فقط، أم بنمط حياة قائم على الإنصاف والكرامة؟

إن المجتمعات التي تنهض حقًا ليست تلك التي لا تعرف الخلاف، بل تلك التي تدير تنوعها بروح من التعاون والاحترام. في التماسك لا نذيب الفروق، بل نحتفي بها ضمن إطار جامع. مثل فسيفساء لا تُبهر إلا بتعدد ألوانها، شرط أن تكون متراصّة بإحكام.

حين نمارس العدل في الحديث، والرحمة في التقييم، والمسؤولية في الكلمة، نحن لا نقوم بفعل فردي. نحن نحمي الوطن من التصدع، ونسهم في خلق بيئة يشعر فيها الجميع أن لهم مكانًا، قيمة، ودورًا في البناء.

وإذا كنا نؤمن أن اليمن بيتٌ للجميع، فكيف نرضى أن يبقى أحدهم خارجه معنويًا؟ كيف نقبل أن تُنصب الحواجز في لغة الخطاب قبل أن تُبنى في الواقع؟

في زمنٍ كثرت فيه الأسباب التي تفرّق، نحن بحاجة ملحّة إلى من يُجدّد الروابط، إلى من يستخدم اللغة كجسر لا كجدار، وإلى من يرى في الاختلاف فرصة للثراء لا للتهديد.

لأن الأوطان لا تكتمل بالخريطة وحدها، بل بالأيدي التي تتشابك رغم التباين، وبالقلوب التي تتسع رغم الألم، وبالوعي الجمعي الذي يقول: لن نسمح للكراهية أن تكون لغتنا.

الكلمات الدلالية

إقرأ أيضاً