ينفيه الطب وتؤكده الجدات

ينفيه الطب وتؤكده الجدات

طائر العُقَري.. الأسطورة التي تسكن رحم الأمهات
بشرى العنسي
لا يتواجد على الأشجار ولا حتى يحلق في السماء. لكنه يشبه الطائر ويملك منقار أو كما أسمته إحداهن "زلقوم". يتغذى على دم الأم وأحشائها. ينمو متلازما للجنين وقد يتغذى عليه أيضاً فيخرج الجنين ميتاً أو مشوهاً. النزيف الشديد للأم بعد الولادة وشعورها بأن شيئا يقضم أحشاءها ليس سوى علامة مفجعة لمن يعرفنه جيداً.
من الوهلة الأولى تعتقد بأنك تستمع إلى أسطورة مثيرة. لكن إصرار الجدات لا يترك لك مجالاً للشك. تقول الجدة خولة عبده علي (70 عاما) إنها عرفت طائر العُقري منذ صغرها، حيث كان منتشراً بكثرة في منطقتهم، وكانت النساء الحوامل يمتن بسببه. فالأمهات كن ينزفن حتى الموت، والأسباب مجهولة حينها. تضيف الجدة أن اسم العقري أطلق عليه لاحقا، خاصة بعد أن شوهد يخرج من رحم إحدى الأمهات عقب ولادتها.
هي قالت وبلهجتها التعزية خلال مكالمة هاتفية: "العقري يخرج مع الجاهل أو يجلس في بطن الأم ينقمها، لأن معه منقار ويسبب لها نزيف حاد". وتزيد على ذلك بأنه يتغذى من دم الأم.
"لحمة حمراء مرنة، ساع كف اليد. مثل الطير لكن مافيش معه ريش. يربى (ينمو) مع الجاهل ويتغذى من دم الأم" قالت الجدة واصفة العقري. الماء الساخن مع الملح والرماد وصفة تسقى للأم المصابة بالعقري كما أشارت الجدة "المُولدة الفاهمة تسقي المرة ماء حامي وملح ورماد، ويخرج العقري مثل المحية (المشيمة)".
ولتؤكد صدق كلامها أخذت تروي وبحماس قصصاً عن نساء عرفتهن كن مصابات بالعقري، ومنهن أم عبده رحمها الله. "أم عبده كان فيها عقري ونزفت نزفت بعد الولادة وودوها (أخذوها) للدكتور وضرب لها إبرة وبعدين خرج العقري ميت".
كان ذلك كل ما تعرفه الجدة خولة عن العقري. في حين تقول هدى أحمد (42 سنة) إنها تسمع عن العقري منذ أن كانت صغيرة أيضا. لكن معلوماتها لا تختلف كثيرا عما أوردته الجدة. حيث تقول إنها سمعت عن وجود العقري وبالذات مع الجنين في رحم الأم. وقد يخرج معه أثناء الولادة أو يظل داخل الأم يعضها ويسبب لها ذلك نزيفاً حاداً.
هدى ذكرت نفس الوصفة، وهي الماء الساخن مع الملح والرماد للقضاء على العقري "كانوا زمان يعملوا ماء حامي وملح ورماد، ويشربوه للمرة، فيخرج العقري حي أو ميت. لكنه في الغالب يخرج ميت".
وعن شكله تقول إنها سمعت أنه يشبه الجولبة (اليمامة). ثم بدأت بسرد حكاياتها الخاصة مع العقري، وأولاها عن طبيب اسمه أحمد راشد "أحمد راشد دكتور من تعز، قالوا عمل لمرة عملية قيصرية زمان، وطار العقري لوجهه، وجاءت له حالة نفسية". ومع حادثة الدكتور الغامضة تلك اقتنعت النسوة هناك أكثر بوجود العقري.
هدى تذكرت أيضا قصة "أم عادلة"، التي أصيبت بالعقري في إحدى ولادتها، وأدى ذلك لنزيف حاد، إضافة لصراخها المتواصل وشعورها بأن شيئا يقضم أحشاءها، فسقتها أختها في الحال الوصفة السابقة، فخرج العقري حياً. لذا سارعت أختها بتغطيته لأنه وكما يقال بأنه إذا لم يُغطّ سريعا أثناء خروجه فإنه يعود لرحم الأم مرة أخرى.
هدى وقبل أن تنهي المكالمة أعطتنا رقماً لامرأة أخرى، مؤكدة أنها رأت العقري بعينيها.
له 4 أرجل بدون أصابع أو أظافر. ذو شكل غريب ومخيف. يشبه الضفدع، لكنه كبير، ويملك منقاراً. هكذا وبنشوة التميز، وصفت "أم حبيبـ" العقري. مضيفة أنها سمعت عنه الكثير، لكنها كانت المرة الأولى التي تراه فيها. تقول إنها خافت كثيرا من منظره: "كان مخيف جدا. عمري ما شفت مثل كذه".
"أم حبيبـ" تسنى لها رؤية العقري مؤخرا، وذلك عندما ولدت جارتهم وأنجبت طفلة، ولكنها ظلت تشعر بأشياء أخرى غريبة في رحمها، والنزيف لم يتوقف أبدا حتى أغمي عليها، فسارعوا بطلب المولدة (الداية) بحسب رواية أم حبيب "بعدما كملت تولد كانت تقول شكله عاد في جاهل، وبعدين تصيح يجدمني يجدمني". المولدة أخرجته بيدها وكان حينها ميتاً، فاستراحت الأم وتوقف النزيف تماما.
أم حبيب تعتقد بأن العقري هو من يأكل الأجنة أو يخرجهم موتى أو مشوهين. مؤكدة أنه لا يصيب كل النساء فهو نادر الحدوث.
ما سبق كان روايات لأمهات وجدات سمعن أو رأين طائر العقري بأعينهن. لكن الوضع مع "فُلـ" يختلف، فهي مولدة تلك المنطقة لأكثر من 30 عاماً، وخلال تلك المسيرة رأت العقري لمرتين فقط. كانت إحداهما في وقت ليس ببعيد، وكان العقري يختلف عما رأته قبل سنوات من مشاهدتها الأولى. فحجمه هذه المرة كان أكبر بكثير عما رأته في السابق. تحكي ذلك قائلة "كان كبير. يشبه الطير، معه زلقوم وأيدي وأرجل وقوي. ومعه سبله (ذيل) قصيرة، لكن عريضة".
"فُلـ" أرادت أن تأخذه للمستشفى ليراه طبيب المنطقة، لكنها تقول إنها وبعد أن جهزت الوالدة وأعادتها لفراشها. ذهبت إلى الحمام لتبحث عنه فوجدت نساء المنزل وقد تخلصن منه. وتضيف أنها حزنت كثيرا حينها كونها أرادت أن يراه الطبيب ليعرف ما هو بالضبط.
المعلومات السابقة كانت جميعها من مناطق مختلفة في مديرية حيفان بمحافظة تعز. لكن يبدو أن العقري معروف في أغلب المحافظات اليمنية، مع اختلاف التسميات، وهذا ربما ينافي الاعتقاد بأنه أسطوري.
"أم طارق" مدرسة في إحدى مدارس العاصمة صنعاء، وتؤكد أن أمها أصيبت بالعقري، وتذكر أنها ظلت تصرخ وتتألم بعد الولادة، شاعرة بأن جنيناً آخر يريد الخروج، وبعدها خرج العقري وهو ميت.
أم طارق أكدت على المعلومة المنتشرة في محافظة تعز، والتي تفيد بضرورة تغطية العقري حال خروجه حياً من رحم الأم حتى لا يعود مرة أخرى. ولكن المختلف في صنعاء هو أنهم يسقون المرأة المصابة رماداً وخلاً، كما أنهن ينصحن الأمهات الحوامل بضرورة الإكثار من أكل البصل الأخضر خلال فترة الحمل، حتى لا يتكون العقري في الرحم إلى جانب الجنين.
أم طارق تظن أن سببه قد يكون جرثومة معينة أو تلوثاً يؤدي لنموه. زوجها وهو مدرس أيضا، تدخل أثناء الحديث ليدلي بدلوه هو الآخر. حيث يقول إنه كان ضمن اللجان الانتخابية في محافظة المحويت خلال الانتخابات النيابية الأخيرة، وإنه كان يسمعهم يقولون ولد الطفل مطيور، أي ولد ومعه طائر، وهو العقري.
رأي الطب
قصص قد لا تصدق، لكن قلبك يدق بشدة خوفا ودهشة، وعقلك يبدأ بتكوين صور لتلك الروايات التي سمعتها، خاصة مع الحماس واليقين اللذين رافقاها.
الطب كان له رأي آخر بعيدا تماما عن الروايات السابقة. الدكتورة أروى الربيع دكتورة نساء وولادة، ترد بقولها "كل هذا كلام مش صحيح، وفيه كثير من الخيال والرعب بسبب الوفيات التي تحصل للأمهات، فيبدأ عندهن الخيالـ".
ثم أخذت الدكتورة أروى بشرح ما يحدث بالضبط، حيث تقول بأن ما يسمى بالعقري ما هو إلا كتل من الدم المتجلط نتيجة النزيف الشديد عقب الولادة، والذي سببه في العادة عدم تقلص رحم الأم نتيجة عدم انسداد فوهات الدورة الدموية التي تربط الأم بالجنين، أو بسبب أي جسم آخر داخل الرحم. بقايا مشيمة مثلاً.
أروى الربيع أكدت مراراً وخلال كلامها أن ما يتم مشاهدته ما هو إلا دم متجلط. في حين تقول الطبيبتان ليلى عبدالباري وذكرى النجار إنه عبارة عن تشوه عنقودي للأجنة.
أم طارق لم تقتنع بذلك التفسير للأطباء، وتقول إن الطب لا يعرف كل أمراض الرحم. مستشهدة بما يسمى باللهجة الصنعانية "نكعة العصرة"، وهو ألم يصيب المرأة، ولا يهدأ ذلك الألم إلا إذا ربط أسفل بطنها (الرحم). وتضيف أن الطب يقف عاجزا أمام هكذا حالة.
الجدات يرفضن تكذيب ما رأته أعينهن، والأطباء يرفضون تصديق شيء لم يذكر في كتب الطب ولم تره أعينهم كذلك. ليظل العقري حواديت تحكى وطائراً يسكن رحم الأمهات أو ربما عقول الجدات!