المسيبلي

في البريقة، بي، بي، شركة بي بي اللي شلت حبيبي، كما قالت الهواجس.. أسس الأستاذ عبدالله صالح مسيبلي في البريقة.. منطقة مصافي النفط البريطانية في أواخر خمسينيات القرن الماضي، مع أخيه علي صالح مسيبلي -الديبلوماسي فيما بعد- فرقة مسرحية سموها الفرقة العربية للمسرح والتمثيل، وكان الأستاذ علي يؤلف المسرحيات التي كانت تلك الفرقة تمثلها، وكانت من بين أنجح الفرق التمثيلية في بلادنا، وأذكر أن عبدالله أرسل إليَّ مجموعة صور لأعمال تلك الفرقة، فقدت مني كلها والحمد لله، لأن من بينها صورة للأخ الرفيق عبدالفتاح إسماعيل، وهو يشارك في تمثيل أحد الأدوار المسرحية لتلك الفرقة الناجحة في وقت مبكر من حياته حين عمل لدى شركة مصافي عدن!

ويا بابور جباني ودّيني عدن ساني، قطفت وردة، والحق أني لغاية الآن لا أعرف العلاقة بين البابور الجباني والوردة.. المهم.. جاءنا الاستقلال، وتولى قحطان الشعبي الرئاسة، وكان علي مسيبلي المؤلف المسرحي، محسوبًا على تيار قحطان الشعبي، فتم تعيينه كسفير لبلادنا في نيويورك بالأمم المتحدة.. ولبث هناك حتى أطيح بقحطان الشعبي في الخطوة التصحيحية الشهيرة.. لكنه قبل ذلك استدعى أخاه عبدالله للعمل في أميركا.. وسافر.. وعمل هناك في نيويورك.. وأثناء ذلك تم تسريحي من الجيش لأنضم إلى شركة فوتباث كومباني، كما كنا نقول بسخرية على البطالة.. كتبت لعبدالله ليدبر لي عملًا عنده حين فكرت في الهجرة.. ولم يدم الأمر كثيرًا على القحطانيين..

فتبعثروا كالهباء.. ترك عبدالله أميركا ورجع عدن لمواصلة نشاطه المسرحي، وأخذ علي أخوه طريقه إلى دولة الإمارات حيث استقر إلى نهاية عمره!
كان عبدالله باع سيارته الفيات 750 لفيصل عبدالله.. ولما عجز فيصل عن تسديد قيمتها، استردها منه واستبدلها بسيارة سويدية اسمها ساب من شركة العاقل.. وقتها كانت الفرق المسرحية في عدن أكثر من الهم على القلب، ولا كان يمر أسبوع دون أن يقدم فيه عمل مسرحي جديد.. كان الأخ علي ناصر حسني، وقتها ومحمد بعد ذلك.. وزيرًا للدفاع، ويشجع النشاط المسرحي، والفني عمومًا.. زارنا مع علي سالم البيض في مقر فرقتنا المسرحية بكريتر.. وعبر عن رغبته في تقديم أعمال مسرحية لفرقة الجيش التي تسسها وقتها.. وهذا شجعني على تأليف مسرحيتي "التركة".. وحين أكملت كتابتها لم أعثر على فرقة مسرحية تمثلها.. فأقلعت عن البحث، وقررت طبعها في كتاب.. ووافق الأستاذ سالم باجميل على طبعها في مؤسسة 14 أكتوبر التي كنت بدأت العمل فيها.. وصدر الكتاب، ووزعته المؤسسة على المكتبات.. وبعد شهر جاءني عبدالله مسيبلي وبيده نسخة من المسرحية طالبًا موافقتي له على تمثيلها على خشبة المسرح.. وطبعًا وافقته فورًا.. وبعد حوالي شهر آخر كان المسيبلي جمع طاقم العمل.. ووقتها جاءنا شاب تخرج من الكويت في دراسة المسرح.. اسمه أحمد سعيد الريدي.. فأسند له المسيبلي مهمة إخراج المسرحية.. وابتعدت عن العملية برمتها إلى أن قام بدعوتي إلى آخر بروفة، فتخلفت عن الحضور.. ولم أشاهد المسرحية إلا في عرضها الافتتاحي في معرض المعارض!

ولم تقدم إلا بعد سبع سنوات في المسرح الوطني، حيث صورها التلفزيون لأول مرة هناك في النسخة المتداولة الموجودة الآن.. وعرضت في التلفزيون مرة واحدة فقط أثارت بعدها جدلًا ولغطًا، فتقرر منعها، وصدر قرار المنع فعلًا.. وهي ممنوعة في تلفزيوني عدن وصنعاء على السواء، ولم تنتشر إلا من خلال النسخ المسربة من تسجيلات عربة النقل التلفزيوني وعند دخول الإنترنت!

ومرت أكثر من عشر سنين على عرض المسرحية.. دار بعدها حوار بيني وبين عبدالله مسيبلي عن إمكانية كتابة مسرحية جديدة أخرى من التركة يوم كان طاقم العمل في الأولى مكتملًا بحمد الله، فكتبت مسرحية التركة الثانية.. وأسندت إخراجها للزميل قاسم عمر قاسم.. وظهرت بنجاح بحمد من الله وتوفيق.. واستمر عرضها لشهر كامل على خشبة المسرح الوطني، وبتذاكر دخول قدرها دينار واحد للفرد.. وكانت تلك تجربة أولى وفريدة في بلادنا.

بعد الوحدة أقمنا في صنعاء أول مهرجان جماهيري للمسرح هناك، شاركت فيه فرقة المسرح الوطني، بمسرحية التركة الثانية.. وحصلت على الجائزة الأولى من المهرجان.. وسجلها تلفزيون صنعاء كاملة.. لكن مصيرها أيضًا كان نفس مصير سابقتها.. منع عرضها في تلفزيون صنعاء.. وكذلك تم منعها من العرض في تلفزيون عدن أيضًا.. ولايزال قرار المنع للمسرحيتين قائمًا إلى يوم الناس هذا.. فمن يشهد بأنه قد شهد في التلفزيون أي عرض غير ما ذكرت؟

لا أحد.. لا أذكر أحدًا يشهد بعرض أي منهما في ما بعد وفي ما قبل.. ويا بابور جباني ودّيني عدن ساني، لأني قد قطفت وردة.