سفينة نوح!

نعم نعم حطت رحالها سفينة نوح بسواحلنا، وكانت مدينة عدن مرساها، وأعانها الله على أوزارها الثقال!
كان في استقبالها حشد من الآهات وتوابع آهات أهل عدن ومما أرهق قاطنيها وهم على الصبر يئنون من وجع الدهر والسنين، سفينة نوح استقبلتها جريدة "الأيام" الغراء كعادتها سباقة تنشر كل جديد، وما بالكم والسفينة حطت رحالها محملة بأخبار من العيار الثقيل... تحمل في طيها وفي خبايا ما وراء الخبر أسرارًا، بل سرًا دفينًا، لنا أن نسأل قائلين:
ماذا بجوف السفينة من جديد؟

أية قراءات قد نضجت وحان أوان سلقها لتسويقها بسوق اليمن المدمر الهالك المتهالك إلى حين أو إلى حين يشأ رب العالمين؟
وإلى أين الاتجاه الجديد لسفينة نوح؟ هل إنقاذًا لشعب اليمن جنوبًا وشمالًا من غرق أكيد سواء كان بغرق أمطار الرعود والقواصف وجرف السيول التي أرسلتها قذائف المناخ الخارج عن عقاله أسوة بكل السياسات على الأرض جدباء باتت لا تؤتي أكلًا، لكنها تزف لليمن الكان يومًا سعيدًا أخبارًا وعناوين مقلقة بل مزعجة لكل ذي عقل وبال حصيف!

دعونا نتحرك نلج السفينة من أوسع أبوابها، فقد شرعها النبي نوح للإنقاذ وللرحيل وإن تبدلت الأشكال والمعطيات والرموز، تظل مأساة الإنسان اليمني في صراع دائم مع الطبيعة ومع من يعبثون بها تحت أي اسم يحملون... سحرة.. مردة... فايكنج من النوع المثير للتقزز والفزع، أو كانوا أباطرة خلفاء راشدين أو غير راشدين... السفينة مثقلة بالأحمال من كل صنف سياسي حسب جدول أعمال المرحلة، وما أكثر المراحل التي حفلت بها بلادنا من حين مرحلة النشأة لمرحلة الحيض لمرحلة التفتيت والتفكيك لمرحلة انعدام الوزن وضياع البوصلة، مما جعلنا جميعًا نرحب ونرفع رايات الترحيب بمقدمها لميناء عدن سليمة معافاة وعلى متنها ما يثير الغرائز والفضول وألف ألف تساؤل وسؤال. وهنا نشكر صحيفة "الأيام" أن سهلت علينا المهمة الجيولوجية الجيوسياسية لنتعرف على مكنونات عنابرها ومما ندر شكله وغلا ثمنه وتفرد فرادة العقل اللبيب في مكنونات موضوعاته. وإليكم العناوين المثيرة للجدل التي تضمنها عدد صحيفة "الأيام" الغراء، السبت الموافق 20/4/2024، وعلى النحو التالي:

في حوار مع صحفيين مصريين الرئيس العليمي يفجر قنبلتين من العيار الثقيل
الأولى: تقول بمصادرة الحوثي لأربعين مليار دولار بعلم الأمم المتحدة... وهي المنظمة التي تذرف الدمع يوميًا على مآلات المجاعة في اليمن!
العنوان الثاني الذي أدلى به فخامة رئيس المجلس الرئاسي يقول نصًا: إيران فرضت أجندتها في اليمن ولا نريد الدخول في صراع دولي... خبر كهذا بكل مضامينه ودلالاته يحوي أن كلًا من الشرعية والتحالف إن بقي هنالك تحالف ذو صلة بالتحالف الذي تأسس عام 2015، ما علينا، أهل مكة أدرى بالشعاب.
لكن منطوق تصريح الأخ الرئيس يشير إلى أمر خطير نرجو أن نكون به مخطئين، يتعلق بأن إقرارًا كهذا إنما يلغي أساس قيام وتكون المجلس الرئاسي قبل أكثر من عامين، عقب إزاحة الرئيس السابق عبد ربه منصور هادي، إذ إن ذلك التوجه الجديد تضمن في جوهر تشكله إنجاز ما يلي من مهام: أولًا استكمال مهمات المرحلة الانتقالية، وعلى رأسها إنهاء الانقلاب ضد الدولة بصنعاء، ثم الشروع في إنجاز مشروع تسوية سياسية للأزمة على مراحل، مع خطة متكاملة لمشروع اقتصادي متكامل... لكن طرح الرئيس يعني أن القبول بالأمر الواقع لما جرى من انقلاب على الشرعية في صنعاء، يلغي أي كلام آخر، إلا عن القضايا التي أشرنا إليها، وهو ما يتطلب إيضاحًا بالضرورة، إلا إذا كانت السفينة تحمل في مخابئها السرية خططًا لا يعلمها إلا من أمر السفينة وشغلها وحركها ومونها بالوقود وأطقم القيادة إلى حين إنجاز المهمة... قد يكون مثل ذلك واردًا... لكن ما يفاجئنا نحن نسمع تصريحًا من العيار الثقيل يسير باتجاه آخر، يطلقه عضو المجلس الرئاسي، يقول كما جاء بعدد "الأيام" المشار إليه، ما يلي:

طارق صالح يتعهد باستعادة القصر الجمهوري في صنعاء... حين حاولنا البحث داخل خانات السفينة عن مشروع متكامل قدمه طارق لتحقيق ذلك، لم نجد ما يشفي الغليل... وهنا التخوف، فما كان في الحديدة ومداخل صنعاء محرمًا من قبل من لهم صلة بحركة السفينة، فكيف بقدرة قادر سيسمحون اليوم بعد خراب مالطة بدخول القصر الجمهوري... وهم قد منعوا عنوة دخول الحديدة، ناهيك بأن تصريح الرئيس العليمي فيه إقرار يثير التساؤلات، ولعل عند جهينة الخبر اليقين، ومؤكد لدى الأخ الرئيس معلومات أفضل مما لدينا بشأن ما وراء الأكمة!

دعونا نتجول أكثر داخل السفينة، ونلج باقي العنابر، ونكتشف ما بداخلها، بخاصة وقد سهلت لنا "الأيام" الأمر، لأن العدد متخم بالعناوين الدسمة سواء تلك التي أشرنا إليها أو باقي العناوين التالية التي تقول:
صندوق النقد الدولي يصرح: الوضع في اليمن مروع... يا سلام سلم، ومتى كان غير ذلك والأمم المتحدة مجرد متفرج على الحرب وآثامها؟
يمني يبيع طفلته بـ300 دولار.. يا للهول! وما خفي كان أعظم!
مركز دراسات مصري يكشف عن تطور لتكتيكات الصراع في اليمن.
مجموعة الدول السبع تدعو لتسوية سياسية في اليمن... ماذا عسانا نقول عن الـ"سفن دراجون"..؟ أي مجموعة الدول السبع... البائعين النبيذ بحارة من لا يجدون ماء... لكنهم للأسف يبيعون وهمًا، وهمهم يتمثل أساسًا بـ:
مواجهة روسيا والصين تحت عناوين شتى.
دعم إسرائيل غير محدود.
المزيد من إضرام النيران في أوكرانيا إرهاقًا لروسيا، ولنا يرسلون الموت البطيء.
أخيرًا وليس آخرًا، وماتزال الباخرة راسية تتلو آيات ربها، وسيدنا نوح يبتهل للمولى الكريم أن يخرجها خارج العواصف وما تخفي الصدور بين قادتها وهي تبحر بسلاسة نحو ميناء السلامة والوصول، ودون ذلك أهوال وأهوال، وطاقم القيادة الثمانية على بينة من الأمر.
لن نطيل البحث والغوص أخيرًا في تفاصيل المقابلة الضافية والحوار المطول الذي أجراه صحفيون مصريون مع الرئيس العليمي، وأعادت "الأيام" نشره بصفحتها السادسة بنفس العدد المذكور آنفًا... المقابلة نشرت كاملة، وضمن عناوين براقة تثير التساؤلات كما أشرنا آنفًا، لكن لنا أن نسأل مجرد سؤال، والسؤال حق مشروع: ترى كل العناوين التي تمثل همًا وطنيًا مشتركًا ما مآلها بُعيد تصريح الأخ الرئيس بأن إيران فرضت أجندتها ومصالحها في اليمن، ولا نريد الدخول في صراع دولي؟!
إذن، ما مآلات المواجهة عسكريًا مع الانقلاب؟
ما طبيعة مشروع التسوية السياسية، بخاصة وحمولة السفينة بها عنوان فاقع كبير عن مشروع للتسوية السياسية تدعو إليه مجموعة الدول السبع؟
في ما يتعلق بجوانب الأمن والاقتصاد وإعادة ترتيب أوضاع المؤسسات، وكما يقولون الكتاب يقرأ من عنوانه... أوضاع المؤسسات في مناطق الشرعية لا تسر الخاطر.

وقبل إغلاق هذا الجزء أفرحنا الأخ الرئيس كثيرًا حين أكد أن 3000 مشروع قد تم إنجازها في مناطق الشرعية، نقول أهلًا بأي إنجاز، ولكن أين هو على الأرض، وفي أي صقع تموضع؟
أما في مناطق الانقلاب فليس ثمة مؤسسات البتة، هنالك جندرمة تفرض تمذهب السوق، وتلغي مفهوم إدارة الدولة أساسًا لمصلحة ولاية الفقيه الراعي الأكبر.

ألم أقل لكم بأن سفينة نوح وقد حطت رحالها في بحارنا مثقلة بالأثقال بالهموم بالأخطار والعواصف والرعود، وتتقاذفها الأمواج من كل اتجاه ومن كل حدب وصوب، ولا بد أن نقول جزمًا... لا بد من أن تشارك كل السواعد الحية اليقظة الوطنية بطول البلاد وعرضها، في إنقاذ السفينة قبل غرقها، عبر مشروع تسوية سياسية وطنية لاستعادة وتحقيق ما كان مطلوبًا من حين اكتمال مؤتمر الحوار الوطني ومخرجاته، وما تلاه من انقلابات، فمخرجاته قبل العبث بها ماتزال أرضية صالحة يمكن الانطلاق منها، والبناء عليها، وتجديد ما عبث به الزمن والأهواء، ودونما أي إقصاء وتهميش.