"النداء" تقتحم قضبان سجني البحث الجنائي والمركزي بعدن

"النداء" تقتحم قضبان سجني البحث الجنائي والمركزي بعدن

تتنوع القضايا داخل السجون اليمنية التي هي منشآت عقابية فقط وفق القائمين عليها، وليس لها أية>علاقة بالإصلاحيات التي تهدف إلى التأهيل وإعادة تقويم الفرد وإصلاحه.
السجون اليمنية تهدف -كما يبدو- إلى إعادة الداخلين إليها للمجتمع بهيئة إجرامية وسلوكيات منحرفة، وجعلهم في حالة عداء تام لكل القوانين والسلطات التي تمارس الاعتقال خارج القانون والاختطاف والإخفاء القسري والتعذيب، وتلك التي تبقى متفرجة وغير قادرة على حماية تشريعات وضعتها لخدمة الناس وحماية حقوقهم وحرياتهم، وأيضاً تلك التي تخلت عن مهمتها المتمثلة في إحقاق الحق وإنصاف المظلومين ورد المظالم إلى أهلها.
سجنا البحث الجنائي والمركزي (المنصورة) بعدن كغيرهما من السجون التي تئن عنابرها وزنازينها من آهات المظلومين وأنين "المعذبين" التي تصيب المرء بالذهول ويشعر بأن "العدلـ" ما زال في إجازة عن ساحات كثير من القضاة، وأن غياب دور التفتيش على السجون أتاح الفرصة لأن تبني "عناكبـ" الانتهاكات خيوطها على ملفات القضايا المختلفة.
لن أتحدث هنا عن المعاملة القاسية وطبيعة التغذية السيئة التي لا تليق بإنسان، ولا يرتقي نصيب الفرد من الغذاء إلى احتياج "دجاجة" منزلية. سأفرد هذا الحيز للحديث عن نماذج من المعاناة داخل السجون، لم أتحدث نيابة عن أحد، هم تحدثوا وأنا كتبت وأنت تقرأ عزيزي، ولك الحكم.. ولنا عودة..
* شفيع العبد
جدران لو قدر لها أن تنطق لقالت: أي وطن هذا الذي تنتهك فيه الحقوق وتغيب العدالة!
"كلية" تشكو العذاب!

الناشط السياسي صبري شائف محمد، عضو اللجنة المركزية للحزب الاشتراكي اليمني بعدن، يعيش داخل سجن المنصورة على خلفية مشاركته في الاعتصام التضامني الذي أقامته منظمات المجتمع المدني، وأقدمت قوات الأمن على مداهمته واعتقال كل من وصلت إليه أيديها بمن فيهم الأستاذ هشام باشراحيل ونجلاه محمد وهاني.
صبري يعاني من آلام حادة في كليته الوحيدة التي يعيش بها بعد أن تبرع بالأخرى لشقيقه لينقذ حياته. لقد منعوه من الخروج لمواصلة العلاج وزيارة الطبيب المختص الذي كان يتابع حالته بين فترة وأخرى، حتى الإبر الطبية المقررة له يتم وخزه بها عبر قضبان بوابة العنبر.
التقيته مرتين بعد اعتقاله؛ الأولى في النيابة الجزائية، والأخرى حين نقلونا معاً بسيارة السجن المركزي إلى المحكمة الجزائية. وجدت معنوياته عالية وابتسامته تعلو محياه كعادته، يضحك في وجه الألم، ويقاوم الوجع الجسدي كما هي مقاومته لوجع الاستبداد السياسي والظلم الذي يعانيه أبناء الجنوب منذ حرب صيف 94، لم تنل منه آلام كليته التي تكاد تعدمها.
صبري لا يحب الحياة من أجل نفسه بل من أجل الآخرين، ولهذا تبرع بكليته، ويتمنى الإفراج عنه لمواصلة العلاج والحفاظ على كليته ليستمر ينبوع التضحية لديه بالتدفق من أجل الآخرين.
جراح بحاجة للعلاج!
أصيل يسلم الخضر أحد حراسة صحيفة "الأيام"، تعرض لإصابة بليغة بطلق ناري في كتفه اليمنى، أدت إلى كسر عظمة الكتف، في الاشتباكات الأخيرة التي حصلت بجانب مبنى "الأيام" ومنزل آل باشراحيل.
تتضاعف معاناة أصيل جراء جراحه وضرورة إجراء عملية جراحية كما تؤكد التقارير الطبية، حيث لم تتح له فرصة كافية للعلاج، وتم نقله من على سرير المرض إلى سرير السجن المركزي.
أسرة أصيل "تناضلـ" يومياً لدى الجهات ذات العلاقة للتوجيه بالإفراج عن ابنها لمواصلة علاجه وإجراء العملية المقررة له.
إلى جانب أصيل هناك جريح آخر من حراسة "الأيام" يقبع في ذات السجن.
صحوة ضمير!
إبراهيم عبداللطيف من أبناء عدن، موظف في بنك اليمن الدولي، تعرفت عليه في سجن البحث الجنائي، يكاد يقترب من المائة يوم على اعتقاله على خلفية قضية اختلاس مبلغ 43.500.000 (ثلاثة وأربعين مليوناً وخمسمائة ألف) ريال يمني. يقول إبراهيم: كنت في إجازة عن العمل لمدة أسبوعين، وعند عودتي إلى البنك لمباشرة عملي اكتشفت عملية الاختلاس وقمت بالتبليغ فوراً لمدير البنك.
ويضيف بألم: "لم أكن أتوقع أن ما قمت به سيجعلني متهماً ومشاركاً في العملية". ويتمنى إحقاق الحق وإنصافه والإفراج عنه. قضيته منظورة أمام النيابة.
غابت الهوية.. فحضرت الحوثية!
لأنه لم يملك بطاقة شخصية ولم يكن في حوزته أية وثيقة إثبات هوية، فقد تعرض للاعتقال في نقطة العلم بعدن بينما كان في طريقه إلى أبين ومنها إلى حضرموت، وتم الزج به في سجن البحث الجنائي بعدن ليقضي أكثر من 40 يوماً دون أن يحال إلى النيابة العامة.
إنه سلطان الوعلان الشاب العشريني وأحد أبناء محافظة صعدة.. انتماؤه لهذه المحافظة جعله في نظر جهات الضبط القضائي والبحث الجنائي "حوثياً".
لقد باتت الجغرافيا "شبهة" تلحق بأصحابها أبشع التهم التي يجيد الآخرون توزيعها، فلم يكن بحوزتهم أي دليل آخر سوى عدم التعرف على هويته.
في قضية "سلطان" صور مكررة لمعاناة معتقلين كثر يشتبه بهم ويظلون يرزحون بين جدران السجون دون أن يتاح لهم الحق في الدفاع عن أنفسهم، ويبقون أسرى لنزوات ورغبات الجهات الضبطية والأمنية، فهي التي تعتقل وهي التي تفرج، وعلى عين قوانين السلطة التشريعية وصلاحيات أختها القضائية.
من حضنها إلى أحضان السجن!
هكذا علّق الشاب التعزي بلال العابد على معاناته، حيث تم الزج به في السجن بينما لم يمضِ على زواجه الشهر الثاني.
يقول بلال: "أعمل في محل اتصالات تابع لعمي في كريتر بعدن، وبعد أن انتهيت من عملية الجرد السنوي عدت إلى قريتي لقضاء بعض الأيام مع أسرتي كوني عريساً جديداً، واتصل بي ابن عمي العامل في المحل ليخبرني بأن مجموعة من البحث الجنائي سألوا عني في المحل على خلفية إرسال فاكس، وبعدها اتصل بي أحد ضباط البحث الجنائي بمحافظة عدن، وأخبرته أنني في القرية وعند نزولي إلى عدن سأتصل به، وهو ما حصل بالفعل، فبمجرد نزولي اتصلت به وأخذني إلى السجن"!
يضيف: "عند التحقيق معي عرفت أن الفاكس أرسله أحدهم من المحل إلى مدير عام مصلحة أراضي وعقارات الدولة بعدن، يهدده فيه، وطلبت منهم توجيهات تمنعنا من إرسال الفاكسات للزبائن حتى لا نبقى عرضة للابتزاز!".
مكث بلال في سجن البحث الجنائي ما يقارب ال10 أيام، وخرج متحدياً جهاز الفاكس في المحل ويتوعده بأشد العذاب!
تجارة أعضاء بشرية!
توفيق الملحاني شاب صنعاني يتهمونه بتجارة الأعضاء البشرية، فلنتابعه وهو يحكي حكايته: "اختلفت أنا وأبي في إحدى الليالي، وطردني من منزلنا الكائن بصنعاء، ووجدت نفسي أجول في الشوارع فتعرفت على أحد أبناء حارتي، وعرض عليّ عملاً في مصر ملتزماً بتوفير التذاكر واستخراج الجواز، فرحبت بالفكرة، وغادرت إلى القاهرة برفقة شخص آخر تعرفت عليه على متن الطائرة، وعند وصولنا إلى مطار القاهرة كان في استقبالنا أشخاص أردنيون وأوصلونا إلى إحدى الشقق السكنية، وهناك اكتشفت أن 9 أشخاص آخرين كانوا معي على متن الطائرة يتواجدون في ذات الشقة"!
ويضيف: "أخذونا في الأيام التالية لإجراء الفحوصات الطبية في مستشفيات القاهرة وبرج الأطباء والمخابرات المصرية، وفي المستشفى الأخير اكتشفنا أن العملية عبارة عن بيع للكلى في مقابل 7 آلاف دولار –يحصل البائع على 5 آلاف فقط بينما يذهب ألف دولار لمن بعثهم إلى مصر وألف دولار لمن استقبلهم- فرفضت أنا واثنان بينما باع الآخرون وغالبيتهم من التربة بمحافظة تعز".
ويستطرد: "رفضنا جعلنا في حالة عداء وخصومة مع الأردنيين الذين لم يحسنوا معاملتنا بعد ذلك، وذهبنا للسفارة اليمنية وأخبرناهم الحقيقة، لكنهم لم يعملوا لنا شيئاً، وجلسنا في القاهرة نعمل في مطاعم من أجل لقمة العيش وقيمة تذاكر العودة، وعند ذهابنا إلى السفارة مرة أخرى أخبرونا بأن هناك بلاغاً من اليمن ضدنا بأننا نتاجر بالأعضاء البشرية، وعدنا إلى اليمن وتم اعتقالي في مطار عدن"!
يؤكد توفيق أنه شاهد المئات من اليمنيين يبيعون أعضاءهم البشرية في مستشفيات مصر تحت ذريعة التبرع.
تم نقل توفيق من سجن البحث الجنائي بعدن إلى السجن المركزي بصنعاء، واعداً "النداء" بتفاصيل أكثر عن الموضوع!
مش حزور اليمن ثاني حتى لو نقلوا الكعبة!
رسول حمد الحماد" مواطن سوري يكاد يطوي العقد الخامس من عمره، يعيش داخل السجن المركزي (المنصورة) منذ أكثر من عامين ونصف، يقضي لحظاته على سريره لا يغادره إلا لحاجة ضرورية كالأكل أو الصلاة أو لقضاء الحاجة. يمتاز بالهدوء الإنساني، "مسبحته" لا تفارق يده وكأنه يرسل اللعنات متواصلة للحظة التي قبل فيها القدوم إلى اليمن.
"عم رسولـ" هكذا يناديه بقية المساجين الذين يكنون له كل حب واحترام، ويتمنون إنصافه من قبل القضاء اليمني، وأن يعود إلى أسرته في أقرب فرصة ممكنة، فلنستمع إليه وهو يحكي حكايته: "أنا فلاح متزوج لدي 6 بنات وولد، لم أقطع أشواطا في حقل التعليم، أعمل في مزرعة داخل سوريا تابعة لأحد الأشخاص هناك، طلب مني ذات يوم أن أغادر إلى اليمن لاستلام بضاعة له عبارة عن كميات من الأقمشة بسبب وفاة إحدى قريباته، وأنه قد قام بتغيير اسم المستلم، فقبلت على مضض وقدمت إلى اليمن ويا ريتني ماجيت –قالها بحسرة كادت أن تخرج قلبه من بين جنبيه- وفي اليمن اكتشفت أن هناك مكيدة دبرت لي، وأن الموضوع عبارة عن حبوب مخدرة داخل الأقمشة اكتشفتها القوات اليمنية وزجت بي في السجن"!
يقسم "عم رسولـ" أنه بريء، وأن البضاعة غُيرت باسمه في ذات اليوم الذي غادر فيه سوريا إلى اليمن، وأقسم أنه لن يعود لليمن مرة أخرى حتى لو نقلوا الكعبة إليها!
إعسار 72 ألف ريال!
إدريس طه عبدالعزيز من أبناء محافظة إب، كان يعمل في محل للجوالات بعدن، اكتشف صاحب المحل أن عليه عجزاً بمبلغ 72.000 ريال، فالتزم له بالسداد من راتبه، إلا أنه رفض وتم الزج به في السجن ومحاكمته والحكم عليه بالحبس 4 أشهر وسداد المبلغ. وهو يمضي الآن في السجن شهره ال11 بسبب عدم قدرته على سداد المبلغ!
N70 ب3 سنوات فقط!
محمد جواد المسرج نجل حكم كرة القدم الدولي المعتزل (المسرج)، خريج كلية الهندسة -جامعة عدن قسم كهرباء، كان يعمل مهندساً لإصلاح الجوالات بأحد محلات الاتصالات بعدن، محكوم عليه بالسجن 3 سنوات وإعادة التلفون على خلفية فقدان تلفون محمول داخل المحل خاص بأحد الزبائن الذي رفض كل العروض المقدمة له ومن بينها شراء جهاز جديد شبيه بحقه أو أفضل أنواع الأجهزة، وكان الحكم.
لم يقف الأمر عند تقييد حريته، وإنما تعداه إلى قيام زوجته برفع دعوى قضائية بطلب الطلاق، كون زوجها بات "سارقاً" في نظر المجتمع، وكان لها ما أرادت!
500 ريال بسنتين سجناً!
"ثابت" محكوم عليه بالسجن سنتين على خلفية قيامه ببيع "شبك صدام سيارة أمامي" سمح له صاحب السيارة بأخذه وبيعه بعد تعرض سيارته لحادث صدام وتلف الشبك.
أخذ ثابت الشبك وقام ببيعه بمبلغ 500 ريال، فتفاجأ بشخص ينازعه في الشبك ويطالبه بإعادته واتهامه بالسرقة، والتبليغ عليه لدى قسم الشرطة ليتم اعتقاله ومحاكمته، ولم يشفع له حضور صاحب السيارة وشهادته أمام جهة الضبط والنيابة والمحكمة بأنه هو من أعطاه الشبك، وأن مقدم البلاغ لا علاقة له بالموضوع نهائياً، ليصدر الحكم بالسجن سنتين في الحق العام.
لن أتوب والفاسدين يحكمونا!
جلست مع أحد "النشالين" داخل سجن المنصورة، ويبلغ من العمر 23 عاماً، واعترف لي بأنه يمارس "النشالة" التي باتت بالنسبة له وأمثاله مهنة، منذ 13 عاماً، وأنه قد دخل السجن أكثر من 27 مرة. وتحدث عن طرق وابتكارات ولغة خاصة للنشالين، وأن البيئة المناسبة لهم هي الأماكن المزدحمة والأسواق، وأن الظروف الاقتصادية الصعبة وعدم حصولهم على فرصة عمل بينما يتلاعب الفاسدون بمقدرات البلد وثرواته، هي التي أودت بهم إلى هذه النتيجة غير المشرفة.
وعند سؤالي له عن مدى جديته في التوبة والبحث عن عمل شريف، رد بعنف: "لن أتوب والفاسدين يحكمون البلد، هم يسرقون ونحن ننشل وما فيش فرق"!
قاعديون في انتظار النيابة
تتراوح فترة اعتقالهم بين السنة والثلاثة شهور إلى الثلاث سنوات دون أن تتم إحالتهم إلى النيابة العامة للدفاع عن أنفسهم وتوكيل محامين. يشكون لجدران السجون والزنازين التي ذاقوا فيها أنواعاً مختلفة من العذاب وممارسات شتى من التعذيب كـ"التحقيق في أوقات متأخرة من الليل والحرمان من النوم لفترات طويلة، الصعق بالكهرباء، السب والشتم والإهانات، القذف، خلع الملابس، التحقيق مع البعض وهم عراة ومكلبشون، الضرب المبرح في أطراف أصابع الأقدام، إجبارهم على ممارسة تمارين رياضية شاقة ومن يتوقف يتعرض للضرب المبرح، حلق اللحية، تعليقهم بالنوافذ مكلبشي اليدين وأجسادهم إلى الأسفلـ" وغيرها من صور التعذيب بحسب إفاداتهم.
سيبقى سجن" الفتح" عالقاً في ذاكرتهم الجمعية، ولن تمحوه الحرية المنتظرة التي يتطلعون إليها وهم يبحثون بين عذاباتهم وسجونهم عن "تهمة" يستحقون عنها كل هذا "الوجع" الذي يكاد يذهب العقول. يتذكرون صديقهم الذي تعرض للتعذيب في سجن الأمن السياسي بصنعاء، ومكوثه 6 أشهر تحت الأرض دون تهمة، وحين سمحوا لأخيه بالزيارة لم يستطع التعرف على شكله!
ما يزيد على 18 شاباً يمنياً يقبعون داخل السجن المركزي، يتوزعون سنياً على العقدين الثاني والثالث –تحتفظ الصحيفة بأسمائهم- أكثر من نصفهم يحفظون كتاب الله عز وجل، والبعض الآخر مشارف على الانتهاء منه، لا وجود لتهمة بحقهم سوى الاشتباه بانتمائهم لتنظيم "القاعدة". لم يتم التحقيق معهم، "والتحقيق" سلطة مخولة للنيابة العامة، لذا فهم لم يلجوا أي نيابة، بل إنهم لم يغادروا عنابرهم داخل السجن إلا إلى الزنازين الانفرادية او للزيارة التي منعوا منها فترات طويلة جداً!
حاولوا الاحتجاج مراراً داخل عنابرهم في محاولة منهم لتحريك ضمائر تجمدت كجمود الصخر، وإيصال صوت معاناتهم إلى آذان بها صمم، ولم يسمعوا في كل مرة إلا "رجع صداهم" ووقع أقدام "الأشاوس" ليأخذوهم إلى فصل جديد من التعذيب. آخر احتجاجاتهم كان قبل نقلي إلى سجن المنصورة بيوم واحد فقط، ولكنهم لم يجدوا من يسمعهم إلا أولئك الذين أخذوا أفراداً منهم إلى الزنازين الانفرادية!
وعدتهم بعدم ذكر الأسماء خشية استغلالها لممارسة تعذيب جديد بحقهم، فأجسادهم لم تعد تحتمل، مع إيماني بأنهم لن يسلموا عقب قراءة السلطات لهذه الحقائق و"الشهادات" التي نكتبها على ذمتهم.
نتمنى أن يصل الأمر إلى النائب العام عله يحرك ساكناً بالتوجيه بسرعة إحالتهم إلى النيابة العامة لتبرئة ساحتهم أو إدانتهم بدلاً من تركهم تحت رحمة السلطات الأمنية التي تنتهك حقوقهم في وضح النهار، وليس أقلها حقهم في الدفاع عن أنفسهم!
منهم من كان يحلم بأن يصبح مهندساً ومن أجل ذلك شرع في مرحلة الاستعداد لامتحانات القبول لكلية الهندسة بجامعة عدن، وبينما كان آمنا في منزله منهمكاً بمذاكرة مادة "الرياضيات" تفاجأ بمداهمة المنزل واقتياده إلى السجن ليرتسم جدول "الضربـ" على جسده.
آخر اشتبهوا فيه بسبب وجود رقم تلفون أحدهم في جهازه المحمول، فاعتقلوه وظل "مكلبش" اليدين لمدة 4 أشهر في زنزانة منفردة مظلمة وبدون فرش، يتوضأ ويصلي ويأكل وهو على ذات الوضعية.
بينهم من صدر حكم ضده وأكمل مدة العقوبة وما زال في السجن بسبب عدم قدرته على توفير ضمانة تجارية من عدن.
شاب آخر ظل يحلم بإكمال نصف دينه، وعندما تحقق له ما أراد لم ينعم به حيث تم اعتقاله قبل أن ينهي شهر العسل، وازدادت معاناته حينما وضعت زوجته مولوده البكر وهو خلف القضبان.
هذا غيض من فيض، على أن تدخلاً عاجلاً للمنظمات المعنية بحقوق الإنسان ووقوفها ضد الانتهاكات القانونية والإنسانية التي تحدث داخل السجون بات مطلباً ملحا وضرورياً، كما أن المطالبة بفتح السجون أمام "الصحافة" والمنظمات الحقوقية يجب أن تكون في أولويات أصحاب الضمائر الحية، فإما فتحنا ثغرة للنور أو فتحنا ثغرة للنور ولا خيار آخر!
"القصع" في السجن!
يعتبر فهد القصع، بحسب تقارير مكتب التحقيقات الفيدرالي الأمريكي، المطلوب الثالث بعد أسامة بن لادن وأيمن الظواهري، وقد برز اسم فهد القصع أحد أبناء منطقة رفض بمديرية الصعيد محافظة شبوة، على الساحة بعد حادثة تفجير المدمرة الأمريكية "يو إس إس كولـ" عام 2000 في ميناء عدن، والتي ذهب ضحيتها أكثر من 17 جندياً أمريكياً، حيث اعتقل على إثرها وتم الحكم عليه بالسجن لمدة 7 سنوات. وبعد انقضاء مدة العقوبة تم الإفراج عنه بضمانة تسجيله لحضور شهري أمام أحد أقسام الشرطة، وكان الضمين شقيقه الأكبر "ناصر"، وظل فهد ملتزماً بذلك إلى أن جاءت فترة شعر فيها بالخطر على نفسه، وأن هناك نوايا لاعتقاله مجدداً، فأدار ظهره لأقسام الشرطة والسلطة الأمنية التي لم يكن أمامها سوى اعتقال شقيقه "ناصر" والزج به في سجن المنصورة، حيث مضى على اعتقاله سنة و3 شهور.
ليس ناصر فحسب معتقلاً، بل إن هناك ابن شقيقته "محمد بن إبراهيم" معتقل بتهمة الرابطة الأسرية بينه وبين فهد.
أريد يدك يا بابا!
ماذا لو قدر لأحد مسؤولينا أن يحرم من مشاهدة أطفاله ومداعبتهم وتلبية رغباتهم واحتياجاتهم؟ وماذا لو حال أحدهم بينه وبينهم ومنعه من ملامسة أكفهم وضمهم إلى صدره؟
كيف سيكون حالهم وهم الذين يسارعون إلى منحهم "جعالة" يومية تفوق راتب أحد القائمين على السجن؟
أحد المعتقلين على خلفية اشتباه السلطات بانتمائه لتنظيم القاعدة، لم يتمالك نفسه ولم يقدر على حبس دموعه حين زاره نجله (9 سنوات) –يحفظ 6 أجزاء من القرآن الكريم- من وراء حاجز حديدي كان فاصلاً بينهما، وقال له: "نفسي أحط يدي بيدك يا بابا لوقت أطولـ".
نجله الآخر (5 سنوات) ألح عليه أن يسمح له بالجلوس معه في السجن. إنها الحاجة إلى حنان الأب حتى لو كانت خلف القضبان!