يحتفلون بذكرى تدمير بلدهم ودولتهم!

تحتفي أطراف الصراع للسنة التاسعة بذكرى أسوأ حرب شهدتها اليمن. ففي حين يحتفل أنصار الله (الحوثيون) كل عام بذكرى ما يصفونها بـ"ثورة الـ21 من سبتمبر"، تحتفل الأطراف الأخرى المناهضة لهم بذكرى "انطلاق عاصفة الحزم" وذكرى "التحرير" في بعض المحافظات من بينها عدن!
ففي حين يفترض بجميع أطراف الصراع أن تتمعر خجلًا وتتوارى عن المشهد في ذكرى تدمير بلدها ودولتها واستجرار القوى الخارجية، عوضًا عن الاحتفال بذكرى تفجير حرب أهلية بشعة، نتج عنها السيطرة على البلد وتقاسمه من قبل مليشيات مسلحة دون وطنية مرتهنة للدول الإقليمية، وتفكيك الدولة، وبذكرى تدخلات عسكرية خارجية قذرة انتهت في ما انتهت إليه لوجود عسكري أجنبي في السواحل والمطارات والموانئ، بل واستعمار جزر.. لا سيما في ظل الكارثة الإنسانية "الأسوأ منذ الحرب العالمية الثانية" التي أسهمت كافة أطراف الصراع في إنتاجها ومفاقمتها، والتي عمدت لتجويع وإفقار الشعب اليمني واستنزاف وإهدار موارده بالفساد والحروب والصراعات.

ومن مظاهر هذه الكارثة الإنسانية التي ستظل وصمة عار في جبين أطراف النزاع، أن 4 أخماس اليمنيين باتوا يعانون من الفقر؛ وحوالي 21.6 مليون شخص بحاجة للمساعدات الإنسانية وخدمات الحماية الاجتماعية؛ وحوالي 60٪ من المحتاجين إلى المساعدة الإنسانية بواقع 12.9 مليون، هم من الأطفال؛ و17.6 مليون شخص، أي نصف سكان اليمن، معرضون لخطر الجوع الشديد، ويشمل ذلك 5 ملايين طفل يعانون من سوء التغذية و2.7 مليون أم حاملة ومرضعة؛ وقرابة 2.4 مليون طفل يعانون من سوء التغذية والتقزم. بالإضافة إلى 4.5 مليون من الأطفال خارج المدارس؛ ربع اليمنيين يعانون من الاضطرابات النفسية والعقلية؛ 4.5 مليونًا من اليمنيين نازحين؛ نحو 5 ملايين أو 15% من اليمنيين يعانون الإعاقة؛ ونحو 15.3 مليون لا يصلون إلى مصادر المياه النظيفة أو منتجات تنقية المياه.

ولا يختلف اثنان أن البلد بات تتنازعه قوى هي في حقيقتها جماعات دينية وجهوية مرتهنة بأيدي متنافسين إقليميين، والفرق الوحيد بينها هو أن أحدها دمر بلده باسم "الثورة والتحرر"، وثانية باسم "التحرير واستعادة الشرعية"، وثالثة باسم "التحرير والاستقلال"... وجميعهم يكذبون، فهم ليسوا بثوار ولا بمدافعين أحرار ولا محررين ولا تحرريين ولا مستقلين ولا مقاومين وطنيين ولا شرعيين ولا حتى يستعيدون الشرعية! والقاسم المشترك بينهم جميعًا: الفساد والعمالة والتعصب والتطرف والعنف، والمشروع دون الوطني، والإصرار على مواصلة تدمير بلدهم ودولتهم ومكاسبها الوطنية وحاضرها ومستقبلها، بل وتجويع الشعب وإفقاره وتجهيله..!

ومن باب أولى ألا تواصل أطراف الصراع المكابرة بالانجرار أكثر في دوامة الكذب والصراع والتنافس الإقليمي والدولي، بل إلى التوافق والسلام لإخماد شرور الحرب والانقسام والعنف، وإيجاد الأمن والاستقرار الممكن للكيان الوطني والمحلي، بما يوفر الحاجات الأساسية والخدمات والتنمية للمواطنين، والوصول للحكم الرشيد.