عودة إلى الرموز!

في الأسطورة القديمة، أن البشر كانوا جميعًا يتحدثون لغة واحدة مشتركة، غير أن ألسنتهم تمايزت بعد انهيار المملكة البابلية بسبب غضب الرب، ومن حينها، أصبح الإنسان عاجزًا عن فهم أخيه الإنسان.

وبعيدًا عن مصداقية الأسطورة، يبدو أن البشر الآن أضحوا قاب قوسين من العودة إلى وسيلة التفاهم المشتركة التي رافقت بدايات ظهورهم، حيث كانت تعابير الوجه والإشارة هي لغة التخاطب والتفاهم الرئيسية!

في حياتنا المعاصرة، وأكثر من أي وقت، تشعبت طرق التعبير عن الأفكار والرؤى والمشاعر، بفضل التكنولوجيا الحديثة، وانبثاق "الميديا الحديثة" ووسائل التواصل الاجتماعي، ولعل "فيسبوك" و"واتساب" أشهر تجلياتها الطافحة بالاستخدامات المتواترة للرموز والإشارات والصور الثابتة والمتحركة، إلى جانب الكلمة المكتوبة، والشفاهية، بل كبديل عنهما أحيانًا.

ربما أعطى اللجوء إلى الرموز والرسوم والصور الدالة على المشاعر والأفكار من فرح وحزن وإعجاب وموافقة وتأييد وغيرها، التي تزخر بها مواقع التواصل الاجتماعي، مؤشرًا على افتقار البعض للقدرات التعبيرية، الكتابية أو المنطوقة، إلا أن ضيق الوقت هو الدافع الأكبر وراء كثرة استخداماتها، فضلًا عن أنها غالبًا ما تكون أكثر تعبيرية وإيجازًا.. ورب صورة أبلغ من ألف كلمة... إلى ذلك، فهي تكشف بجلاء التوجهات السياسية والأيديولوجية لمستخدميها إزاء الأحداث الجارية، فكثيرًا ما يعمد مستخدمو "فيسبوك" إلى وضع صورة لشخصية عامة أو رمز لجماعة سياسية في صفحته الشخصية، للتأكيد على تضامنه معها ومشاركته أفكارها وتوجهاتها أو بعضًا منها.

والأكثر.. أن الصورة والرمز والإشارة مكتفية بذاتها، بخلاف الكلمة المنطوقة أو المكتوبة، فالصورة لا تحتاج ترجمانًا لنقل معانيها، إذ هي بذاتها لغة كونية مشتركة، متلائمة تمامًا مع وسيلتها الناقلة؛ الإنترنت كشبكة عالمية تتجاوز الحواجز الجغرافية.

وطالما أن علماء الأنثربولوجيا يؤكدون أن التعبير بالإشارة والرمز كان سابقًا على استخدام الكلمة الشفاهية والمكتوبة، فيبدو أن التكنولوجيا الحديثة تقودنا حثيثًا نحو العودة إلى الرموز.. اللغة الأولى للبشر.