سالم..البعثي النبيل

سالم محمد عوض
سالم محمد عوض

ها أنت يا صاحبي أخيرًا تطل بوجهك البريء
سنوات طوال وأنا أبحث عنك، عن نقائك المعهود
تعرف يا سالم...
بحثت عنك في شارع علي عبدالمغني، عند لاهب صديقنا أبو السلتة، محمد وعبدالله أنبل من عرفنا، يمدون خيرهم للجميع...
حتى بائعات الملوج، سألتهن:
ألم يمر سالم؟
أطلن النظر إلى وجهي:
من سالم؟
حدثت نفسي:
سالم ذلك البعثي النبيل الذي مر ذات يوم من هنا...
دمعت عيناي وهدير أصواتنا يلف معنا تلك الأزقة، وسعيد أنعم ذلك العبسي الجميل يضحك على كلب المساح، الكلب الذي استبدل الدراجة النارية التي صرفها له الأستاذ يحيى، استبدله بها من عبدالله البرح...
تذكر سعيد أنعم الذي كنا نضع تعبنا عنده في استديو النجم حق علي أحمد عمر الذي أهلكه الأمن الوطني لمجرد أن سلطان أحمد عمر شقيقه!
مررت أمس على ركن نعمان محمد غالب لقطع غيار السيارات، في شارع الزبيري، وقفت طويلًا أتأمل للزاوية التي كنت تقف على أرضيتها، ألمحك من دكان صهري تبتسم، أدرك أن الجيب عامر! تغيظني بأن تنزل بنظرك إلى نهاية الشميز المرتفع، أدرك أنا أنك "مُبوِّن"، أترك المكان نتوغل معًا في أزقة الصافية المتربة بحثًا عن المساح...

ندلف من باب البيت، هناك قاسم عبدالرب، هناك عبدالله البَرِح، هناك طه العزعزي، والمساح تحت البطانية، بمجرد أن يسمع وقع أقدام، حتى يصرخ بصوته المميز:
يا طه من أجا؟
سالم وبجاش
يرمي البطانية جانبًا، ضاحكًا يوجه لك كلامه:
أكيد يا ابن... قاسم سلام موجود، ونضحك.
نعيّد يومين بما في جيبك، ومن ثم نعود إلى قواعد الطفل "الطَّفَرْ" سالمين!

"""""
ثمة أشخاص أنقياء التحقوا بالأحزاب أيام العمل السري، وظلوا طوال الوقت على براءتهم، بينما الآخرون "يطلبوا الله" على قولة عمنا العزعزي عبده..
طه سيف نعمان دلف إلى البعث من باب البراءة، ولذلك تجد تفاصيله في كتابه المهم "من الذاكرة"، والذي كشف فيه، وهو الوحيد، ما كان يدور في أقبية الأمن الوطني، وأعلى في كتابه هامات رجال كبار كانوا في المعتقل رجالًا كبارًا تساوي هاماتهم هامة جبل نقم!
عبدالله الواسعي ود. عبدالمجيد الخليدي...
وفي الكتاب أسرار العمل الحزبي بتفاصيل تجعلك تفتح فمك عجبًا وتعجبًا!
الأستاذ طه الذي كان هو الآخر بريئًا، ودخل برجليه إلى البعث، ليكتشف المخبأ كما قال!
أنت الآخر كنت النزاهة بكل تجلياتها، تحلم بمستقبل آخر لهذه البلاد التي جاء حظك مبكرًا، وغادرت حتى لا ترى بعينيك جريمة النخب بحقها...
كل الأحلام يا صاحبي وئدت، وكل ما كنا نفكر به معًا غادر في طريق اتجاه واحد...
هل تتذكر؟
ذلك الصباح الآخر جئت مبتسمًا كلما وجدت في جيبك بضعة قروش، تحرص على ألا تصرفها إلا مع صاحبيك، تلك المرة ثقل الجيب، قلت أنت:
يا بن بجاش هيا
قلت أنا:
ماناش معك يا سالم
بننزل تعز وعلي الشيباني ببابوره المرسيدس معنا..
أصررت أنا:
مش جاي يا سالم
تذهب ليس غاضبًا، مثلك لا يغضب، بل ذهبت عاتبًا علي لأنني لن أشاركك ما في الجيب..
كنت يا صاحبي كريمًا حد العبث
تعود والمساح بجانبك وعلي الشيباني يقود المرسيدس..
تؤشر، أعمل نفسي لم أنتبه، يصيح المساح من الخلف:
ما لك وما لأبوه، هذا ابن شيخ ما يتنازلش
وفي الحوبان قذف بكم المرسديس إلى الساقية
قال المساح وقد خرجتم سالمين:
"أولاد... ملاطفين"
وأنت كما قلت لي عندما عدتم والمساح واصل إلى العزاعز يزور أمه:
كيف حسيت أننا سنقفز إلى الاتجاه الآخر؟
ضحكت أنا، قلت لك:
جدتي عملت لي "حِرْز" عند السيد عبدالرقيب...

"""""
سالم محمد عوض، أو سالم الشيباني كما كان يحلو للشلة أن تناديك:
بالفعل كنت أبو الشباب، وأشهد أنك كنت تأتي والدمعة في عينيك، أقول:
ما لك؟
ترد بتدفق مياه النهر:
وديتو أربعة يدرسوا في العراق
تفرح كأنه يوم عرس
لم أرَ نبلًا كنبلك
الغريب يا سالم أن كل مكونات المشهد كانوا في بيت المساح يتعايشون:
الناصري على الماركسي على البعثي على العسكري، وكل من خرج من الرادع أو القلعة، وهنا نقف إجلالًا لعريمان والصايدي والعزعزي والصلوي وناجي وهيثم الحضراني والرداعي، وكل الجنود الذين قاتلوا وقدموا أغلى ما معهم "حياتهم"، الحلم وحد الجميع رغم الصراخ الذي كان يعلو في أهازيع الليل المتأخرة عندما يحتدم النقاش...
وفي النهارات وحدهم جميعهم "الطَّفَر"، ولذلك تذكر كان الناصري يدور على قيمة الواحد الشاي في جيب الماركسي...
كانت لحظة مفعمة يا صاحبي...
لماذا اختفيت فجأة يا سالم ولم تخبر أحدًا..
سألت عنك، قالوا "يَبْتُل" في القرية..
دوامة الحياة شغلتنا عنك، ربما
لكنك لم تبرح مخيلتي..
لم أنسك..
لا يمكن
كررت السؤال
قالوا صاحبك غادر.. بكيت حتى الوجع
أيها النبيل سالم
نم بسلام