أقراء في البيئة:

أقراء في البيئة:

المنطقة الحرة بعدن تقف أمام محكمة المنصورة بتهمة الإضرار بمكونات البيئة (البحر)

*بشرى العنسي
من المفترض أن تقف المنطقة الحرة بعدن، الأحد القادم 31 يناير، أمام قاضي محكمة المنصورة، للرد على الدعوى المقدمة ضدها من الجمعية اليمنية للبيئة والتنمية المستدامة.
الجمعية البيئية رفعت القضية بعد قيام الهيئة العامة للمناطق الحرة -المنطقة الحرة بعدن، بالإضرار بأحد مكونات البيئة (البحر) بحسب ما جاء في عريضة الدعوى.
العريضة اتهمت الهيئة بالسماح بردم جزء من البحر أمام مقر المنطقة الحرة في جولة كالتكس بعدن، بعد توقيع عقود مع بعض المستثمرين لإقامة مشروعات تشتمل على مطاعم ونادٍ نسائي رياضي وغيرها، وذلك على أراضٍ سيتم الحصول عليها من خلال ردم مساحات واسعة من البحر، وتخريب وإلغاء الكورنيش الممتد من جبل حديد وحتى مدخل جزيرة العمال في المحافظة.
فتلك الجمعية استندت في دعواها على المادة 82 من قانون حماية البيئة رقم 26 لعام 1995، والتي «أجازت لجمعيات حماية البيئة اليمنية ولكل شخص مباشرة الدعوى المدنية ضد أي شخص طبيعي أو اعتباري تسبب بفعله أو إهماله بالإضرار بالبيئة وبمكوناتها الطبيعية أو المساهمة في تدهورها وفسادها».
كما استشهدت بقرار مجلس الوزراء رقم 98 لعام 2002 بشأن وقف عمليات ردم الشواطئ في المدن الساحلية، وكذلك قرار مجلس الوزراء رقم 99 لعام 2005 بشأن خطة الإدارة المتكاملة للمناطق الساحلية بمحافظة عدن.
"إلغاء كافة العقود والتراخيص التي أبرمتها أو منحتها الهيئة العامة للمناطق الحرة لإقامة مشروعات على أراضٍ يتم الحصول عليها من خلال ردم البحر، ومحاسبة الهيئة على تلك العقود والتراخيص، ومنعها من القيام بتلك مستقبلاً"، كان أهم مطالب الجمعية في الدعوى المرفوعة، إضافة إلى إزالة الردم الذي تم في جولة كالتكس، وإعادة امتداد البحر كما كان عليه قبل الردم.
عبدالجليل الشعيبي رئيس المنطقة الحرة بعدن أكد لـ«النداء» مسألة الدعوى. لكنه يرى أن الأولوية للمشاريع الاستثمارية والقضاء على الفقر: «من وجهة نظري يجب أن يكون للمشاريع الاستثمارية الأولوية، لأننا نحاول معالجة مشاكل الفقر، ولا يتم ذلك إلا بالتنمية» برر الشعيبي.
هو قال إن المسألة مسألة مصلحة المدينة (عدن) والبلد، ويظن أن من يسعون لإيقاف تلك المشاريع جهات لا تريد الخير للبلد، ولا ترغب في وجود استثمار في عدن.
«نحن كمنطقة حرة لا نرى وجود مانع من إقامة مشاريع في تلك المنطقة، فالموقع صالح للمشروع» أضاف رئيس المنطقة الحرة بعدن، الذي بدأ بدوره بتسمية عدد من الدول التي استغلت البحر في مشاريع تنموية كدبي.
عملية الردم أوقفت: «بدأنا الردم ثم أوقفناها حتى يتم دراسة تقييم أثر بيئي للمشروع». عبدالجليل الشعيبي جزم مسبقاً بأن الدراسة سوف تكون لصالحهم، لكنه تساءل عن مشاريع كثيرة أقيمت هناك ولم تخضع لدراسة تقييم الأثر البيئي.
رسالة وجهت لمدير أمن محافظة عدن، أواخر نوفمبر الماضي، أوقفت عملية ردم البحر في القطاع (سي). حيث طالب فرع الهيئة العامة لحماية البيئة مدير الأمن بالتدخل السريع والوقف الفوري لعملية الردم كونها مخالفة للقوانين البيئية.
«كان هناك ردم قبل شهرين تقريباً. لكن أنا عملت رسالة لمدير أمن محافظة عدن بمنع الردم بحسب قرار مجلس الوزراء»، قال فيصل الثعلبي مدير فرع الهيئة.
بعد يوم واحد من تسلم العميد عبدالله قيران مدير أمن المحافظة طلب التدخل، أرسلت المنطقة الحرة لفرع البيئة رسالة نوهت فيها بأن العمل في ذلك المشروع تم بعد أخذ الموافقة من قبل رئيس الوزراء.
ذكرتهم الرسالة بمذكرة وجهت لهم مسبقاً لدراسة الأثر البيئي، وأضافت المنطقة الحرة أن الإجراء الذي اتخذته الهيئة العامة لحماية البيئة يخل بالعمل داخل المنطقة الحرة ويوجد مناخاً طارداً للاستثمار، ويحرم المحافظة من عائدات تلك المشاريع.
طلب المشورة البيئية الذي تكلمت عنه المنطقة الحرة والذي تجاهلته هيئة حماية البيئة بحسب رسالتهم السابقة، جاء في نفس اليوم الذي وافقت فيه المنطقة الحرة على مشروع شركة إنماء للتطوير العقاري المحدودة.
«نوصي بضرورة أخذ الرأي البيئي قبل إقرار المشروعات من قبل المنطقة الحرة، حيث إنه في نفس يوم الموافقة الأولية لمشروع شركة (إنماء) للتطوير العقاري المحدودة بتاريخ 27/10/2009، هو أيضاً نفس اليوم الذي استلمنا مذكرة المنطقة الحرة لإبداء الرأي البيئي للمشاريع. إضافة إلى أن المستثمر استلم الموقع وترخيص البناء والتسوير. وهذا يضعف الرأي البيئي ويقلل من أهميته بدليل استلام الموقع، ويفترض التنسيق وأخذ الرأي البيئي عند بدء الإجراءات".
التوجيه السابق كان آخر فقرة في تقرير من 3 صفحات أعدته هيئة حماية البيئة فرع عدن، عن المشاريع الاستثمارية في القطاع (سي) التابع للمنطقة الحرة بعدن.
التقرير تحدث عن الأضرار التي ستنجم جراء تنفيذ تلك المشاريع وردم جزء من البحر: "سينجم عن تنفيذه هذه المشاريع ردم مساحة 253.486 متراً مربعاً على الأقل، إضافة إلى نحت مساحات واسعة من الجبال في جزيرة العمالـ".
سرد التقرير كذلك 5 نقاط اشتملت على الأضرار البيئية المتوقعة في حال تم تنفيذ المشاريع في تلك المنطقة. احتمالية ارتفاع منسوب سطح مياه البحر في المحافظة في الفترة القادمة بسبب تغير المناخ، وهو ما ستؤكده نتائج المسح الميداني في البلاغ الوطني الثاني الخاص بتأثر سواحل عدن بذلك التغيير، كانت النقطة الأكثر أهمية.
الإطار القانوني أخذ حيزاً في ذلك التقرير، حيث نبه إلى تعارض تنفيذ المشروع مع المخطط التوجيهي لمحافظة عدن للفترة 2005 – 0025، والمصادقة عليه من قبل مجلس الوزراء.
إضافة لقرار مجلس الوزراء رقم 98 لعام 2002، والقرار رقم 99 لعام 2005، اللذين استندت عليهما الجمعية البيئية في دعواها ضد المنطقة الحرة.
مشاريع القطاع سي بعدن
في الأول من يونيو 2008؛ وقعت المنطقة الحرة بعدن مذكرة تفاهم لإقامة فندق 5 نجوم وصالات للعرض وقاعات للمؤتمرات الدولية ومجمعات تجارية، وذلك في القطاع (سي) جولة كالتكس بعدن، مع مجموعة فهد بن عبدالله آل ثاني للتنمية العقارية القطرية، ولكن بحسب عبدالجليل الشعيبي فقد ألغيت تلك المذكرة بعد سنة لعدم بدء المجموعة بالتنفيذ في ال27 من نوفمبر العام الماضي.
وافقت المنطقة الحرة على إقامة مشروع استثماري، وكان ذلك من نصيب شركة (إنماء) للتطوير العقاري المحدودة، بغرض إقامة مجمع تجاري سياحي شمل فندق 5 نجوم ومول تجاري و4 أبراج سكنية وبرج لإدارة الشركات ولمكاتب الشركات التجارية الأخرى وصالتين متعددتي الأغراض ومسجد وحدائق ومسطحات خضراء.
وبحسب قرار الموافقة رقم 54، فإن التكاليف الاستثمارية للمشروع تقد ب94.000.000 دولار أمريكي، ومدة المشروع 25 سنة.
77 شهراً هي مدة سريان الموافقة؛ بدأت من تاريخ صدورها، وألزمت الموافقة المستثمر صاحب المشروع بالبدء خلال فترة الأشهر الثلاثة الأولى من سريان المدة.
مراسلات عديدة ظلت تتناقل عبر مكاتب محافظ محافظة عدن والمنطقة الحرة وفرع الهيئة العامة لحماية البيئة، إضافة لمكتب رئيس الوزراء.. وكلها كانت تصب في قالب واحد. لكن دراسة لتقييم الأثر البيئي هي الكلمة الأخيرة، والتي ينتظرها الجميع لحل إشكالية أخرى بين البيئة والاستثمار.

***

دردشة بيئة

اختزل عقلها مفهوم البيئة بما ترصده عيناها كل يوم. فالنظافة من وجهة نظرها هي البيئة، "لأنه إذا ما فيش نظافة ما فيش بيئة". هذه هي فلسفة (سمية) البيئية، التي طرحتها من خلال دردشة سريعة على قارعة الطريق.
السلام عليكم
وعليكم السلام
ممكن أتعرف على اسمك؟
سمية علي
أيش تدرسي يا سمية؟
خلصت ثانوية.
طيب يا سمية، أبش مفهومك للبيئة؟
كيف يعني؟
عندما تسمعي كلمة بيئة ماذا يتبادر إلى ذهنك؟
النظافة، ملوثات البيئة، الورود والأشجار على الطرقات..
إذا كان هذا مفهومك للبيئة، فكيف تلاحظي البيئة اليمنية؟
مزفته آخر تزفيت! الأوساخ مليانة الحارات وحتى في الطرقات العامة.
علب البيبسي والماء، وأوراق القات، الزعقة، القراطيس الحراري وقراطيس الجعالة وقرش الموز موجودة في كل مكان.
وأيش السبب في اعتقادك؟
لأنه ما فيش براميل قمامة بشكل كافي. وما فيش منشورات توعوية للناس. وبرضه نحن لا نساعد أصحاب البلدية، فنحن نرمي كل شيء على الأرض ونخرج القمامة قبل موعد وصول البلدية فتبعثرها الكلاب والقطط.
إذا كنت مسؤولة بيئية ماذا ستفعلين حيال الوضع الذي ذكرته؟
بعمل أشياء كثيرة. أشجار على الطرقات، وأعين أشخاص متخصصين لذلك. واعمل توعية لأصحاب البلدية عشان يأخذوا القمامة لأماكن بعيدة وما يحرقوها قريب من السكان. وبوعي الناس أنهم ما يرموا القمامة في الشارع.
أتذكر أن المدرسة حقنا قالت لنا مرة إنها شافت واحد مش يمني في الحديقة رمى علبة البيبسي في الأرض، وعندما قالت له ليش ما ترميها بسلة القمامة؟ جاوبها إحنا في اليمن. يعني ما فيش احترام لنا لأننا ما نحترم أنفسنا.
هل ستكون هذه فقط منجزاتك؟
لا. المصانع ما بخليها قريبة من السكان والمزارع لأنها تلوث الخضروات والفواكه. لازم تكون المصانع بعيدة. وكمان أماكن التخلص من زيوت السيارات. وأيضا بعمل برميل قمامة مغلق لكل بيت. وبخصص يوم للبيئة في اليمن مثل يوم البيئة العالمي.
بس نحن في عندنا يوم وطني للبيئة؟
في؟!...
ليش أنا ما أشوف بالتلفزيون! والشوارع دائما قذرة!
لاحظت من كلامك أن البيئة في نظرك هي النظافة؟
أكيد. لأنه إذا مافيش نظافة مافيش بيئة. وإذا البيئة مش نظيفة فلن يأتي زوار لليمن. والزوار الذين يأتوا عندما يرجعوا لبلدانهم يتكلموا عن السلبيات، وهذا ما يحفزش الآخرين عشان يزورونا.
وعندنا أصلاً لا تنظف الشوارع إلا في الأعياد الوطنية، وإذا الرئيس مر في شارع معين أو أي مسؤول آخر.
هل درستي في المدرسة أي شيء عن البيئة؟
يوم واحد فقط. سمعت المديرة أنه يوم البيئة العالمي وطلبت مننا ننظف المدرسة كاملة. لكن يأتي يوم ثاني وقد الوضع رجع مثل الأول، والقمامة في كل مكان، ولا تنظف إلا إذا عوقبت المتأخرات. لكن الآن صار فيه فراشة، والبلدية تأتي تأخذ القمامة.
******

أوجاع البيئة

- أفراح علي أبو غانم*
للبيئة أوجاع لا نشعر بها ولا ندركها إلا عندما تشتد ويحيط بنا الخطر من كل جانب، عندها فقط نعرف أن بيئتنا تتألم أو تحتضر، ولكن هل ندرك هذا قبل فوات الأوان؟
في ظل الظروف الحالية والأزمات المالية والاقتصادية والاجتماعية والحروب وغيرها، قد يتساءل بعض الناس عن أهمية البيئة مقارنة بأهمية الحالة الاقتصادية والبحث عن لقمة العيش.. لا يبالون ولا يسألون هل تعتبر من مسؤوليتهم الحفاظ على بيئتهم، أم مسؤولية حكومية لا غير؟
الحفاظ على البيئة ليس وظيفة حكومية أو مسؤولية حكومة دون شعب. الحفاظ على البيئة لا نريد به في الظروف الصعبة أن تزرع الحدائق والغابات الغناء، وتفرش الأرض خضرة وجمالاً.. نريد به أن يحافظ الناس على أبسط حقوقهم للعيش في مكان نظيف ومناسب وآمن صحيا. هل من الصعب عليهم أن يتوقفوا عن رمي القمامة في الشوارع؟ هل من الصعب عليهم أن يتوقفوا عن تلويث الهواء بالمزيد من عوادم السيارات والباصات والموتوسيكلات وغيرها؟ هل من الصعب عليهم أن يتوقفوا عن رش السموم في الخضراوات والفواكه وحتى في أعلاف الحيوانات؟ هل من الصعب عليهم أن يمنعوا أو يقفوا ضد المساحات الأسمنتية التي تكتسح شوارعهم ومدنهم، وتطرد أي مساحات خضراء فيها؟ هل من الصعب عليهم أن يتوقفوا عن العبث بالماء واستهلاكه بشكل عبثي حتى في أصعب ظروف الحصول عليه؟
كل ما سبق مسؤولية الناس، ومسؤولية الحكومات ما هي؟
مسؤولية الحكومات هي في التخطيط السليم للحفاظ على البيئة، في التخطيط السليم للمدن ومناطق الطبيعة، في التخطيط السليم للاستفادة من الموارد الطبيعية بشكل يضمن تجددها واستدامتها، في إصدار قوانين وتنفيذها للحفاظ على البيئة والصحة والموارد الطبيعية، وتنفيذ القوانين على الكبير قبل الصغير، في توعية الناس بشكل سليم وراقٍ.. فالأساليب القديمة للتوعية في المدارس أو عبر الإعلام بالنصائح المملة القديمة، لم تعد مجدية، فالناس دائما بحاجة لأشياء جديدة تقنعهم، لحلول وبدائل تساعدهم، فليس من المنطقي أن نقول لهم اعملوا واعملوا.. ولا نقوم به نحن أولا. ليس من المنطقي أن نمنع الناس في المحميات مثلا من الاستفادة من مناطقهم دون إيجاد البديل المناسب. ليس من المعقول أن نقول للناس لا تتجرعوا السم ونحن من نبيعه لهم.
وهذا ليس في بلادنا والبلاد النامية فقط، ولكن حتى في الدول المتقدمة التي تعتبر التقدم التكنولوجي في التصنيع والتسلح هو ما له الأولوية عندها، حتى هذه الدول تعاني من تدهور بيئي كبير غير ما تسببه من تدهور بيئي على غيرها من بقاع الأرض، وهي تغالط وتدفع أموالاً للتعويض عما تدمره، لكن المال لن يحل المشاكل إلى الأبد، والصمت كذلك لن يحل المشاكل، والاتكال على الغير لن يحل المشاكل ولن يوقفها.
هل سنظل نحرق في أرضنا على أمل أن نستوطن القمر، كلام غير منطقي وغير عقلاني، ومن يدمر بيديه بيته لا ينتظر أن يعمره له غيره.
بيئتنا حياتنا مسؤولية مشتركة.. وإهمالها سيكون فيه عقاب مشترك كذلك.
وأخيرا.. لتغير الجميع يجب أن تبدأ بنفسك...
* الهيئة العامة لحماية البيئة