تطورات الأحداث في اليمن بأبعادها المختلفة

وددت أن أسجل قراءتي في الموضوع الذي أجراه أ. عارف الصرمي، الكاتب والمحلل السياسي، في مقابلة تلفازية مع د. لواء محسن خصروف، رئيس التوجيه المعنوي السابق في القوات المسلحة، في تاريخ سابق في القاهرة، بشأن "مجريات الاحداث في اليمن والمنطقة )"، خلال سبع سنوات من الحروب الداخلية، والتدخلات العسكرية الخارجية.

يقينًا، إنه حوار لامس حقيقة المشهد اليمني المأساوي بكل وضوح وشفافية، وهو المشهد الذي يمكن أن نلخصه للقارئ بسؤال: "اليمن إلى أين؟".

إن معظم ما ورد في المقابلة من حوار، شمل مسائل دقيقة، من بينها طبيعة مهام العميد الركن طارق محمد عبدالله صالح، في التحالف العسكري.
وقبل أن ألج في الموضوع، يسعدني التنويه إلى أن العميد الركن طارق كان يعمل مع الرئيس الراحل علي عبدالله صالح، قائدًا للحرس الخاص، ودارت الأيام، وشاءت الظروف أن يصبح قائدًا لمعسكر على امتداد الساحل الغربي جنوب الحديدة (المخا) حتى باب المندب، حيث لا يختلف وضعه عن القادة الآخرين: اللواء عيدروس الزبيدي، واللواء المحرمي، وأبو العباس، وكلهم رؤساء مليشيات محلية تتبع الإمارات.

من الجدير بالذكر، أن العميد الركن طارق، ومن يعمل معه من الجنود، جلهم من بقايا الحرس الجمهوري السابق، والأجهزة الأمنية تمت تسميتها "حراس الجمهورية".

ومن الملاحظ -حسب عسكريين- أن معسكرات الحرس الجمهوري والأمن والشرطة عمومًا، تم ضمها في وقت سابق بأفرادها ومعسكراتها إلى تعزيز قدرة "أنصار الله -الحوثيين" العسكرية في جميع المناطق اليمنية، طبقًا لتوجيهات الرئيس الأسبق علي عبدالله صالح إبان وصولهم من عمران إلى صنعاء، في 21 سبتمبر 2014م.

وأشار مراقبون إلى أن "أنصار الله -الحوثيين" لم يأتوا من "صعدة" إلى العاصمة "صنعاء" مغامرين بأرواحهم، بقدر ما كانوا يحملون في قرارة أنفسهم "مشروع سلطة"، بعد أن تهيأت لهم الظروف بدعم داخلي، وآخر خارجي، أوله دعم داخلي من رأس النظام السابق، والآخر خارجي من إيران وحزب الله، وربما بتشجيع جهات خارجية أخرى، كان ذلك قبل تحرك "أنصار الله" من صعدة إلى العاصمة "صنعاء"، والهدف الرئيس تمثل في القضاء على قيادة حزب "التجمع اليمني للإصلاح وذراعه العسكرية" (الفرقة الأولى مدرع)" قادة، وشيوخًا، وأعضاء بارزين تحت تصنيف ("إخوان مسلمين وقاعدة ودواعش وإرهاب".

الجدير بالذكر أن "حزب الإصلاح" تزامن تأسيسه في 13 سبتمبر 1990م، برئاسة الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر، مع قيام الوحدة اليمنية في 22 مايو 1990م، بين الشريكين في الوحدة المؤتمر الشعبي العام والحزب الاشتراكي اليمني، وبعد عامين أقيمت الانتخابات التشريعية في صيف 1993م، وفاز حزب الإصلاح في المرتبة الثانية، ومنذ البداية قام بتضامنه وتنسيقه في السياسات مع المؤتمر، وكانت صدمة غير متوقعة للحزب الاشتراكي، وبخاصة عندما تسلم رئاسة المجلس النيابي الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر، رئيس حزب الإصلاح، كظاهرة غير موجودة في برلمانات العالم أن يعتلي رئيس حزب محل حزب آخر (حاكم) في منصب حساس.. واستمر التنسيق بينهما، ودخلا شريكين في حرب 1994م الانفصاليه التي أعلنها شريك الوحدة الحزب الاشتراكي وحتى حروب صعدة الستة 2004-2010م، ضد أنصار الله، إلا أن العلاقة بدأت تهتز بينهما عندما رشح أحزاب اللقاء المشترك برئاسة حزب الإصلاح د. فيصل بن شملان مرشحًا عام 2006م، منافسًا للرئيس علي عبدالله صالح في الانتخابات الرئاسية، وبدأت العلاقات تتدهور، وبخاصة بعد وفاة الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر، في ديسمبر 2007م، حيث تفاقمت الخلافات بين الشريكين اللدوين على السلطة، وازدادت حدة مع انطلاقة الثورة الشبابية في 11 فبراير 2011م، وانضمام شباب حزب التجمع اليمني للإصلاح وشركائه دعمًا لشباب الثورة في ساحات الاعتصامات في 21 مارس 2011م. وفي هذه الأثناء تدخل "مجلس التعاون الخليجي"، وعاد الحزبان وشركاؤهما يحكمان معًا لمرحلة انتقالية لعامين (2012-2014م)، برئاسة المشير عبد ربه منصور هادي، باستفتاء وإجماع شعبي كبير، واعتلاء الأستاذ محمد سالم باسندوة رئاسة الوزراء، إلا أن الاضطرابات استمرت بين الجانبين.
ومن ناحية أخرى، أحكم "أنصار الله (الحوثيون)" خطتهم عام 2014م، وتحديدًا بعد دخولهم إلى صنعاء يوم 21 سبتمبر 2014م، في تكييف الأوضاع لصالحهم، بعد أن كانت تحاك ضدهم من قبل الحليف صالح، زعيم المؤتمر، وبالتالي، تمكنوا من إدارة الدفة، وإحكام القبضة على المناطق التي سيطروا عليها، في مقابل سيطرة التحالف العربي والسلطة الشرعية على مناطق أخرى، في معارك كر وفر.

بعدئذ دارت الدوائر بما لا تشتهي السفن، فانفرط العقد بين الحليفين "الأنصار"، و"الرئيس علي صالح"، وتم التخلص منه، في مشهد تراجيدي، في 4 ديسمبر 2017م.

يجدر التنويه إلى أن الرئيس الراحل علي عبدالله صالح -رحمه الله- كان يعتقد -حسب محللين- أن انقلابه، وتحالفه مع "أنصار الله" هو السبيل الوحيد الضامن له بالعودة إلى الحكم منفردًا، وبأية وسيلة كانت، إما بالقضاء عليهم في الوقت المناسب، أو تحجيمهم ثم العودة من جديد إلى الحكم، أو توريثه بعد التخلص من غرمائه قادة حزب الإصلاح، بدعم وتنسيق خارجي، لكنه لم يفلح -حسب مراقبين- كون موقفه صار ضعيفًا بعد أن انحازت فرق من الحرس الجمهوري، ومشايخ طوق صنعاء إلى "أنصار الله"، وبقي نفر منهم على الحياد.

في حين لم يبقَ للرئيس علي صالح سوى أفراد حرسه الخاص الذين لم يكن في مقدورهم المواجهة لـ"أنصار الله" الذين أحكموا منافذ صنعاء.
وفي الأخير، تمكن "أنصار الله -الحوثيون" بكل ما أوتوا من حزم، بحسم الموقف لصالحهم، وأنهوا مقولة الرقص على رؤوس الثعابين إلى الأبد، أما قائد الحرس الخاص العميد طارق محمد صالح، فاضطر إلى مغادرة صنعاء، يقطع الوديان والشعاب، حتى وصوله خارج إطار سلطة الأمر الواقع (أنصار الله) في صنعاء.

وعليه، فإن مقابلة أ. عارف الصرمي مع د. اللواء محسن خصروف، قد أعادتني إلى الوراء زمنًا لتوضيح الصورة بالأهم من المعلومات، وبكل حيادية.

ولكيلا يطول الموضوع، أنتقل إلى المشهد المهم للمقابلة، والمتعلق بوجود التحالف العسكري السعودي -الإماراتي، وجديته من عدمها، في إعادة السلطة الشرعية إلى اليمن، وكذا التطرق إلى مزيد من المعلومات عن المليشيات اليمنية التابعة للإمارات عمومًا شمالًا وجنوبًا.
ومن هذا المنطلق، وبدون مقدمات أو تفاصيل، أردد عبارة مراقبين أن التحالف العسكري في الحرب لم يكن جادًا في إنهاء الحرب بهدف تثبيت المصالح خارج إطار المهمة التي حارب من أجلها لإعادة السلطة الشرعية إلى اليمن.

حقيقة، إن التحالف بمرور الأيام أصبح يلعب دور الوصي على الجنوب، وعلى الساحل الشمالي في جنوب الحديدة وحتى باب المندب، ولا يبدو في الأفق بادرة حل وفقًا للمبادرة الخليجية، ونتائج مؤتمر الحوار الوطني، واحترام السيادة اليمنية ووحدة اليمن واستقراره بموجب قرار مجلس الأمن 2216، وكأن تلك المسائل جزء من الماضي، ناهيك عن عدم جدية تحريك الملف السياسي، والأمني، وفقًا لاتفاقية ستوكهولم، فضلًا عن "اتفاق الرياض" المزمن الذي فرضه كل من السعودية والإمارات كمشروع حل بين الشرعية، ومليشيات غير شرعية في الجنوب، والذي أخذ أيضًا يتعثر يومًا بعد يوم، حتى أصبح أمرًا واقعًا بسبب تنصل المجلس الانتقالي التابع للإمارات من تنفيذ الاتفاق، وتماديه بعيدًا بإعلان "الإدارة الذاتية للجنوب"، وتحكمه في أرخبيل سقطرى لصالح الإمارات، فضلًا عن إطلاق مليشياته إلى مناطق أخرى للسيطرة عليها، ونهب الأموال من البنك المركزي، ومنع الحكومة من العودة لإدارة مؤسسات الدولة في العاصمة المؤقتة (عدن)، وأخيرًا عادت بمجلس قيادة رئاسي جديد في أبريل 2022م.

وتبين للقاصي والداني أن التحالف بدأ يقترب من إنجاز مهمته في تثبيت أمر واقع لانفصال الجنوب، الأمر الذي أعاد ذاكرتنا إلى ثلاثة عقود من الزمن، بمواقف دول خليجية في الأمم المتحدة ومجلس الأمن في حرب الانفصال عام 1994م.

وتأسيسًا على ذلك، يجب على جميع اليمنيين باختلاف مشاربهم السياسية، والمجتمعية، من صعدة حتى المهرة، أن يبادروا بعمل ما لإنقاذ البلاد، قبل فوات الأوان، طالما أن خطوات وإجراءات الحل متوفرة، وقائمة على مرجعيات ووساطات ولقاءات بين جماعة أنصار الله والمملكة العربية السعودية، بين الرياض وصنعاء و سلطنة عمان، حتى ديسمبر 2023م.
حقًا، إن الإمارات بدأت تتمكن عبر مليشياتها اليمنية من السيطرة على موانئ، وجزر، على طول الساحل اليمني من جنوب الحديدة حتى شبوة، ومن حضرموت إلى المهرة، بقيت حى الآن تحت رقابة سعودية صارمة، ناهيك عن عدم مبالاة دول فاعلة في مجلس الأمن (الولايات المتحدة الأميركية، وبريطانيا) في كل ما يجري ويقال في هذا الشأن "إن سكوتهما دلالة على علامة الرضا".

ويتوقع، وما لا نتمناه أن تنساق اليمن إلى فوضى عارمة في حالة فرض الانفصال بين الشمال والجنوب، وإما يتركان ساحة ممزقة للصراعات الداخلية بعد السيطرة الخارجية على موانئ وجزر وأراضٍ يمنية كأمر واقع.
للأسف الشديد، يشير سيناريو الأحداث إلى أن الأمور تسير في هذا الاتجاه من ناحية، أو تهيئة الوضع في الجنوب لقيام "دولة الجنوب العربي"، وضمها إلى "مجلس التعاون الخليجي"، أو تقسيم الجنوب إلى مربعين الأول: شبوة، أبين، يافع، الضالع، لحج، وعدن. والثاني: حضرموت، المهرة، وأرخبيل سقطرى، أو أكثر من تقسيمين من ناحية أخرى، أما الشمال فسيترك في حروب لا سمح الله، والمحصلة عمومًا من كل ذلك، إشاعة عدم الاستقرار والأمن والأمان شمالًا وجنوبًا، وبخاصة بتواجد الأساطيل الأجنبية في البحرين الأحمر والعربي ومشاريع القرن الصهيونية في المنطقة، حتى لو أدى الأمر لتدمير اليمن والمنطقة العربية بأسرها.

السؤال هو: ألا يوجد مخرج داخلي أمام هذه الأمور الخطيرة المتعلقة بالسيادة اليمنية واستقلالية القرار اليمني دون تدخلات خارجية، أم تبقى الأمور كما هي؟
فهل يا ترى سنظل نحن أبناء اليمن سامدين، لا ندرك هول الكارثة المتربصة بنا...؟ اليمن إلى أين؟