انطباعات عن بلادي على الصعيدين الداخلي والخارجي

على الصعيد الخارجي:

حقيقة، إنها نماذج رائعة يقدمها المهاجرون اليمنيون، فأينما حلوا في أرض الغير أزهروا. تذكرني العبارة الأخيرة بالسعيدة التي تلاشى بريق سعادتها، لكنها بفضل بنيها تعيد وهجها عطاء وإسهامًا من خلال ما يقدمونه في مجالات العلوم والمعرفة والإنتاج، مما يبوئهم مناصب رفيعة ومكانة طيبة في تلك المجتمعات مقارنة برفاقهم الآخرين من مهاجري البلدان الأخرى.
وعلى طرفي نقيض، فإن الصورة في بلادهم تبقى مغايرة تمامًا نظرًا لعدم إتاحة الفرصة لهم بحكم الفوضى، وعوامل الفساد الناخرة لعضد البلاد التي سادت عقودًا من الزمن عكست نفسها على النواحي السياسية والاقتصادية، والتعليمية والثقافية، فلم يعد لحياة المواطن اهتمام ولا قيمة، فانحدرت البلاد نحو الهاوية.

وعلى الرغم من ذلك، فإن الأمل مايزال معقودًا بشبان وشابات اليمن، حاضر الأمة، ومستقبلها، وحماة حمى السعيدة في كل صقع في الدنيا يحلون فيه إذا ما أتيحت لهم الفرص، انطلاقًا من ميراث حضاري خالد يحملونه معهم حيثما يولون صوب بلدان المهجر، وتحديدًا: "الأمريكيتين" و"أوروبا" و"جنوب شرق آسيا، وأستراليا وجزر المحيطين الهندي والهادئ"، فضلًا عن شرق ووسط وشمال إفريقيا، وخير شاهد على ما أستدل به بروزهم في المجالات العلمية، والاقتصادية، والتقنية، والمهنية، في تلك البلدان قديمًا وحديثًا.

وعلى الصعيد الداخلي:

حقًا، إن لنا في شبان وشابات اليمن عظيم الأمل في إسهامهم المثمر حينما تستقر البلاد، وتلك غاية أمانينا وآمالنا. وأهم ما يكون هو تسهيل الدروب أمامهم، وتمكينهم للإبداع بدلًا من السلوك الوظيفي الفاسد الذي عم اليمن، ومايزال يقضي على كل شيء جميل من شأنه أن يعزز من دعائم وصروح البنيان.

يقينًا، إن اليمن لم ولن تمحى جغرافيًا، وتاريخيًا من البسيطة، تأسيسًا على جذورها الضاربة في أعماق الجغرافيا والتاريخ الإنساني والحضاري، وعلينا جميعًا أن ندرك أن اليمن كانت تعانق يومًا ما السماك علوًا، بفضل أبنائها المخلصين، وبالنسبة للعثرات والكبوات بين زمن وآخر، فتلك سنة الحياة، ولكنها لا تلبث أن تنبثق مثل العنقاء حية من رمادها بعد احتراقها.
لسوء الطالع، أصبحت اليمن طمع الطامعين لموقعها، وإرثها، وتراثها، وكنوزها، وما تمر به اليوم لدليل ساطع لما يمارس ضدها من أحقاد، وضغائن، وتآمر واعتداءات.

وبكل أسف، إن تفتيت وتجريف اليمن التي كانت تمتد قديمًا من الشام، وجنوب العراق شمالًا، إلى بحر العرب جنوبًا، والخليج شرقًا، والبحر الأحمر (القلزم) غربًا، فضلًا عن تميزها بموقع استراتيجي في وسط العالم، وما تزخر به من جزر وكنوز، ناهيك عن إسهاماتها الحضارية منذ ما قبل الميلاد بقرون عديدة، علاوة على ما أسهمت به في التاريخ الحضاري الإسلامي، إنما هو دليل على سمو المكانة حتى دب الضعف في عموم المنطقة لعوامل داخلية وخارجية خلال القرنين الأخيرين، وبخاصة بعد الحرب العالمية الاولى.

وبكل تأكيد، إن على أبناء اليمن المخلصين داخليًا وخارجيًا، مسؤولية لبناء اليمن الجديد، وإن سهيل اليماني سيظل ساطعًا لن ينكدر ولن يخبو من عنان السماء إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.

قمين بالذكر، أن ما تبقى لليمن من جسمها العظيم في الوقت الراهن، ليس سوى رأس النسر، بعد أن أصيب الجناحان لعوامل الذبول والتفكك الداخلي، وفي هذا السياق ماتزال ذاكرتنا حية، فعندما احتل الاستعمار البريطاني -الفرنسي أجزاء من المنطقة العربية، قبل قرنين من الزمن، بالإضافة إلى تقسيم تركة الرجل المريض "الإمبراطورية العثمانية"، باتفاقية "سايكس -بيكو"، عام 1916م، إبان الحرب العالمية الأولى، فقد شرع الاستعمار خلال تلك الفترة بصياغة المنطقة العربية، وقيّدها باتفاقيات مجحفة، معظمها باقية حتى اليوم. ولا ننسى في هذا السياق، لما له من دلالات، أن نقحم أيضًا العبارة المستفزة التي أطلقها القائد الفرنسي "غورو"، يوم وصوله محتلًا لـ"سوريا"، ولم تطأ قدمه بعد اليابسة، متسائلًا: "أين قبر صلاح الدين الأيوبي؟"، فأومأ من كان جانبه إلى قمة الجبل، وعندما وصل إلى القبر، رفع قبعته، واستطرد قائلًا: "ها نحن قد عدنا يا صلاح الدين".
في ما يتعلق باليمن، احتل الاستعمار البريطاني الشطر الجنوبي من الوطن الحبيب عام 1839م، حتى الجلاء منه بعد مائة وتسعة وعشرين عامًا، وتحديدًا في 30 نوفمبر 1967م، كما تمكن الاستعمار من الالتفاف على الشطر الشمالي من الوطن، وتقييده باتفاقيات ومعاهدات تنتهك السيادة اليمنية ووحدتها الوطنية، إلى أن وصل الأمر ببلادنا إلى فقدان جزء كبير من الأرض بنظر مسؤوليها شمالًا وجنوبًا.

واليوم تتعرض بقية اليمن بالمثل إلى سيطرة على جزر وأراضٍ جديدة، وحصار وعدوان أجنبي آثم، خدمة لمشاريع القرن الصهيونية، ولمطامع خاصة.

وعلى اليمانيين بمختلف مشاربهم السياسية والأكاديمية والاجتماعية والعسكرية، إما أن يفيقوا من سباتهم وغفلتهم، ويحكموا عقولهم، ويلموا شملهم في سبيل يمن اتحادي جامع، أو أية صيغة وحدوية يتفقون عليها تضمن للجميع: العدالة، وحرية الرأي، والمواطنة المتساوية، والانتقال السلمي للسلطة، وتحديد مدة الرئاسة لفترة لا تتجاوز الثماني سنوات، وإما أن يفقدوا وطنًا.

ختامًا، رحم الله الشاعر معروف الرصافي القائل:
أما آن أن تنسى من القوم أضغانُ
فيبنى على أس المؤاخاة بنيانُ؟
أما آن يرمى التخاذل جانبًا
فتكسب عزًا بالتناصر أوطانُ
مواطنكم يا قوم أم كريمة
تدر لكم منها مدى العمر ألبانُ