محمد سيف ناجي لـ"النداء": صمود المقاومة الفلسطينية أذهل العالم وكشف حقيقة الغرب

عبدالباري طاهر وما بعد اليوم التالي - مع محمد سيف ناجي
عبدالباري طاهر وما بعد اليوم التالي - مع محمد سيف ناجي

في جحيم حرب الإبادة على غزة، والاجتياحات اليومية في الضفة الغربية من الجيش الإسرائيلي، وتمدد الاستيطان، طرحت أمريكا سؤال ما بعد اليوم التالي! وهو السؤال المطروح منذ العام ١٩٤٧، والقرار ١٨١ لا يعني غير التقسيم، ويتكرر عقب كل حرب.
ونضع اليوم تساؤلات أخرى:
ماذا بعد الانتفاضة الفلسطينية المسلحة في الضفة والقطاع؟
هل الدولتان حل؟
وماذا عن وضع فلسطينيي الداخل -أرض ١٩٤٨؟
وماذا عن حل لا يأخذ بعين الاعتبار وضعهم في ظل انتقاص المواطنة؟
وما هي رؤيتكم لما بعد حرب السابع من أكتوبر ٢٠٢٣؟
أسئلة طرحتها على قادة الأحزاب السياسية، وقادة الرأي في المجتمعين: المدني والأهلي والفاعليات السياسية وفي صفوف الشباب والمرأة في اليمن والمنطقة العربية.
وما دفعني لطرح هذه الأسئلة هو تسابق الدول الداعمة للحرب أو بالأحرى الأطراف الأساسيين في صنع أداة الحرب الدائمة -إسرائيل، منذ ١٩٤٨ وحتى اليوم.
وهنا أترك لأصحاب وصاحبات الرأي الإجابة، مع ملاحظة أن البعض أجاب على كل الأسئلة، واكتفى البعض بالإجابة على بعضها.
الشكر والامتنان للعزيز رئيس تحرير "النداء" الصحفي القدير سامي غالب، ولصحيفة "النداء" التي يتسع صدر صفحاتها دومًا لكل الآراء، والتي ستنشر تباعًا آراء النخبة اليمنية وردودها على الأسئلة.

تاليًا ردود وتوضيحات الأستاذ محمد سيف ناجي

 وهو قيادي في التنظيم الوحدوي الشعبي الناصري، من مؤسسي نداء السلام، مثقف سياسي ومناضل قومي.

توقعت الولايات المتحدة الأميركية، استنادًا للخطط التي أعدتها مع قادة العدو الصهيوني، ومعهما دول الغرب الاستعماري، توقعت أن ينتهي العدوان على غزة، بنتيجة حاسمة ونصر سريع يحرزه الكيان، ضد المقاومة الفلسطينية، التي كان من المتوقع -بحسب التقديرات الأميركية والصهيونية- أنها ستتعرض للدمار، للفارق المهول الذي يتمتع به الكيان، من كل النواحي، تسليحًا بأحدث ما أنتجته شركات تصنيع السلاح الأميركية والغربية عمومًا، ودعمًا ماليًا مباشرًا لا حدود له، ومعلومات استخبارية يتم تحديثها في كل لحظة، وقوات مقاتلة انضمت للقتال إلى جانبه.

كل ذلك من الناحية العملية والنظرية معًا، هو الاستنتاج الذي بدا منطقيًا للوهلة الأولى، ولايزال الرئيس الأميركي وإدارته، يعملون على تمكين الكيان الصهيوني، من جعل هذا الاستنتاج أمرًا ممكن التحقيق، من خلال زيادة تقديم الدعم العسكري والمالي والاستخباراتي، وتكليف ضباط وجنود أميركان كما تبين لاحقًا (ليس الأمريكان وحدهم وإنما من دول حليفة أخرى) للقتال في صفوف جيش العدو، ومواصلة توفير حماية الكيان في الأمم المتحدة بالفيتو الجاهز في كل وقت.

لكن العدوان طالت مدته، وصمود المقاومة الفلسطينية، وثبات المواطنين الفلسطينيين، أذهل العالم، وكشف الغرب الاستعماري، بقيادة أميركا على حقيقتهم، ذلك أنه كلما ازداد الكيان الصهيوني عتوًا، وازدادت جرائمه بشاعة، ومكن له مزيدًا من الوقت، لاستمرار عدوانه، وأمعن في ارتكاب جرائم الإبادة الجماعية بحق الأبرياء من الأطفال والنساء والشيوخ، وألحق الدمار الكبير، بالمساكن والمستشفيات، والجامعات، والمساجد ودور العبادة، والمدارس، ومنع عن غرة الماء والكهرباء والطعام والدواء والوقود والاتصالات، لعله يحقق مكسبًا ضد المقاومة، فلم يفلح، بل إنه كلما توفر له كل ذلك، ازداد انكشافًا أمام الرأي العام، وازدادت عزلته الدولية، وأدرك الناس في أوروبا وأمريكا والشرق والغرب والجنوب والشمال، أنهم خُدعوا بالدعاية الصهيونية على مدى 75 عامًا، فخرجوا للشوارع، لا ليطالبوا بالوقف الفوري للعدوان فحسب، وإنما بتحرير فلسطين من البحر إلى النهر.

لقد جعل الصمود الفلسطيني شعبًا ومقاومة، مهمة العدو، ومن يقفون خلفه، أشد صعوبة، في تقرير ماذا سيكون عليه الوضع في غزة والضفة الغربية، صبيحة اليوم التالي لوقف عدوانهم، فذاك يكون قرار المنتصر، أما هم، فقد ألحق بهم شعب فلسطين ومقاومته الباسلة، بصمودهم الأسطوري على الأرض، هزيمة لم يدر بخلد الكيان وقوعها، في أسوأ الاحتمالات التي توقعها، ولم يتوقع أن تنتصر جمهورية جنوب إفريقيا، لقضية شعب فلسطين، وترفع عليه أمام محكمة العدل الدولية، دعوى موثقة، تدينه فيها بارتكاب جرائم إبادة جماعية، بحق الشعب الفلسطيني الأعزل.

لقد تلقى الكيان الصهيوني خلال الأشهر الثلاثة الماضية، ضربات متتالية، كانت بدايتها في 7 أكتوبر 2023م، على أيدي أبطال المقاومة الفلسطينية، ثم فشله الذريع في تحقيق إنجاز عسكري يقدمه لجمهوره المفزوع من هول ما جرى، لبث حالة من الاطمئنان في نفوسهم، وباستثناء الإبادة الجماعية، التي أقدم عليها بحق سكان غزة، فإن تصويت الجمعية العامة للأمم المتحدة لوقف العدوان، بتاريخ 12/12/2023، بأغلبية 153 عضوًا، ومعاضة 10، وامتناع 23 عن التصويت، بما حمل من رسائل للعالم، مفادها أن هذا الكيان انكشف على حقيقته، ككيان عنصري إحلالي، وأنه بسلوكه الإجرامي، قد وضع نفسه في المكان الذي يستحق، وما تصريحات مسؤوليه المزدرية، للمنظمة الدولية (لمن يريد أن يتذكر) التي كانت هي من منحته بقرار ظالم منها، شرعية اغتصاب فلسطين عام 1947م، حمل الرقم 181، صدر عنها بتاريخ 29 نوفمبر من ذلك العام، كما أصبح معروفًا، هي نفسها التي صنفت بقرار صادر عنها برقم 3379، بتاريخ 10 نوفمبر 1975م، الصهيونية، بأنها شكل من أشكال العنصرية، والتمييز العنصري، وطالبت دول العالم، بمقاومة الأيديولوجية الصهيونية، كونها -حسب القرار- تشكل خطرًا على السلم والأمن الدوليين.

لكن الولايات المتحدة والغرب الاستعماري، استأنفوا نشاطهم، وعملوا على إلغاء هذا القرار، بتاريخ 16 ديسمبر 1991م، بذريعة التمهيد لعملية السلام، لأن الكيان الصهيوني اشترط لمشاركته في مفاوضات "السلام"، التي أسفرت عن "اتفاق أوسلو" الأول والثاني، اشترط إلغاء قرار الجمعية العامة المشار إليه.

وعلى الرغم من توقيع اتفاق أوسلو، وتشكيل السلطة الفلسطينية استنادًا عليه، عام 1994م، فإن الكيان قضى عمليًا من خلال تنامي نشاطه الاستيطاني، وتصريحات رئيس وزرائه المتكررة، ليس على إمكانية قيام دولة فلسطينية مستقلة قابلة للحياة، بل على أي أوهام تعلق بها بعضهم تتصل بالتعايش، ولعل الدليل الأقوى على هذه الحقيقة، هو علاقة سلطة الكيان بمواطني فلسطين في مناطق 48، وتعاملها العنصري معهم ومع قضاياهم، مما يجعل مصيرهم غير مختلف البتة، عن مصير سائر مواطنيهم، في مختلف أنحاء فلسطين التاريخية، لأن المسألة مسألة وقت ليس أكثر.

وبانتظار توقف العدوان على غزة، وما سيصدر عن محكمة العدل الدولية، من إجراءات احترازية، فإن المقاومة الفلسطينية، وقد أثبتت على مدى الأشهر الثلاثة الماضية، قدرتها على الصمود، من شأنها أن تعيد قضية فلسطين إلى موقعها الطبيعي، في صدارة اهتمام العالم، وستكون شريكًا قويًا، في أي ترتيبات لمرحلة ما بعد وقف العدوان، فإنها قد أكدت أيضًا على حقيقة أن "ما أخذ بالقوة، لا يسترد بغير القوة".