شايع

شكرًا جزيلًا للأخ الصديق ناصر الأحدب، على ما يتحفنا به من صور غالبًا ما تحرك فينا صدى السنين، ورنين الذكريات.. في هذه الصورة المرحوم علي شايع هادي، وبجانبه -على ما أظن- عبد ربه الدنبوع.. شايع كان صديقًا عابرًا في أيام من سنوات العمر.. يوم كان محافظًا أو مسؤولًا حزبيًا في محافظة شبوة، مع صهرنا المرحوم هادي أحمد ناصر.. لقي كل منهما ربه وهما على طرفي نقيض في صراعات الحماقة التي أشعلها الحزب الاشتراكي اليمني، ودمر بها نفسه، ودمرنا معه، ودمر تجربة "ج. ي. د. ش" التي ترك دمارها في أنفسنا ندوبًا وجراحًا لا تندمل.

كان محمود النجاشي وزيرًا للثقافة، ومعه كنت مديرًا للثقافة، فقرر زيارة كل محافظات الجمهورية، للاطلاع على أحوال الثقافة في كل فرع من فروع الثقافة في البلاد.. في ذلك الوقت كانت إذاعة عدن تبث بتواصل وقائع محاكمات البعثيين العراقيين الذين قتلوا أحد المدرسين الماركسيين عندنا.. وفي نفس ذلك الوقت كانت فرقة المسرح الوطني تطوف المحافظات لعرض مسرحية "التركة" التي ألفتها.. وعلى رأس الفريق المسرحي كان الأخ عبدالله مسيبلي الذي لعب دور البطولة في المسرحية..

وفي عتق حضرنا كلنا العرض المسرحي الذي استضافه الأخ علي شايع، وكذلك حضر هادي أحمد ناصر.. ونحن بمعية وزير الثقافة النجاشي، وحضر العرض علية القوم هناك وأعيان البلد.. ألقى علي شايع خطابًا ترحيبيًا جميلًا من على خشبة المسرح، ودعا الفرقة للصعود لبدء عرضهم التمثيلي.. فصعد الجميع.. وسألهم عن كل من له صلة بالمسرحية، فأشاروا عليَّ، وكنت متواريًا بين جمهور الحضور.. ناداني رافعًا يده بالتحية.. فرفعت يدي محييًا، لكنه كرر المناداة بقوله: تعال إلينا هنا، فكررت تحيتي برفع اليد في خجل.. ولم أصعد.. لكنه تكرم بالنزول إليَّ في مكاني، وسحبني من يدي، فصعدت معه إلى خشبة المسرح ملفوفًا بخجلي.. رفع يده محييًا الجمهور، وفعلت مثله.. قدمني كمؤلف المسرحية، وصفق الناس لنا، مما زاد من خجلي الذي عجزت عن مداراته.. وأمسك علي شايع بالميكروفون.. وتكلم، وأطرى عليَّ كثيرًا بمديح زاد من خجلي.. وطال خطابه لمدة عشر دقائق أو أكثر.. ثم تعانقنا، ونزلت إلى مكاني.. وبدأ العرض المسرحي.

علي شايع، رجل ورش، يحب الفرفشة والطرب والإنشاد، والكثير من الشعارات الوطنية البراقة.. وقد وضع الكثير من كلمات الشعر للأهازيج التي طبقت الآفاق وقتها من نامونة: يا شغيلة بلدنا يا الجموع الغفيرة، أنا جندي ديمقراطي، والزحف يا رجال.. وهكذا.. واليوم يثير عجبي أن بعض تلك الأهازيج وزعت موسيقيًا، وبدلت كلماتها، وجرى التغني بها على نطاق واسع.. أذكر -على سبيل المثال- النشيد الذي غيرت كلماته، وقدم هدية للعاهل الأردني وولي عهده المعلن، وتقول كلماته الأصلية (ولعل كثيرون منكم يذكرونها): "يا علي ناصر ويا بن ربيع يا أمين اللجنة المركزية"! وإلى آخر الكلام.

علي شايع، محب للمرح والطرب والشرح الأصيل.. ناهيكم عن صولاته أيام الكفاح المسلح.. يشترح حتى يسيل عَرقه من كل عِرق.. ولعل بعضكم قد شاهد له الكثير من تسجيلات الشرح وصولاته فيها.

هو شديد التواضع.. يوم كان وزيرًا للداخلية، كان يحضر معه "برتن" من طعام البيت يأكله في المكتب إذا جاع. قال الصديق العزيز حسين محمد حسين، زميلنا في وزارة الثقافة، والمسؤول التنظيمي فيها، إن شايع دعاه إلى مكتبه ليأكل معه، وقال وهو يضحك: هل تصدق أن البرتن كان مليئًا بالعصيد والمرق الحامض وقطع لحم مكعبة؟!

رحم الله علي شايع.. بما له وما عليه.. بشر كغيره من الناس.. والإنسان لا يكون كاملًا أبدًا.. ترك بعض الأثر في نفوس من أحبوه.. وأنا واحد منهم.