الملك يَسلُتْ السادس

قرر الزميل طارق السامعي مخرج صحيفة "النداء" بعد العثور على إرشيف الصحيفة الـ (PDF) أن يحمل للقراء هدية العام الجديد، الملك يسلت السادس".

"الملك يَسلُتْ السادس" مقال يمكن تصنيفه كقصة قصير، او سيرة بلد خلال الـ 100 عام الأخيرة، توالى عليه الطغاة والبغاة وحكام هبارون وعصادون من كل صنف.

المقال كتبه الشاعر والكاتب اليمني عبدالكريم الرازحي  ونشرته صحيفة النداء في عددها الـ 20 بتاريخ 3 أغسطس 2005.

يوم جديد في سنة جديدة لكن اليمن" السعيد بحكامه" على حد التعبير المتهكم للراحل العزيز ابوبكر السقاف، لم يتغير.

-------------------------------------------------------------------------------

الملك يَسلُتْ السادس " النداء" العدد ٢٠
الملك يَسلُتْ السادس " النداء" العدد ٢٠

جاء في كتاب «الصحن الفريد في تحريم أكل العصيد» أن الملك يَعْصُدْ الأول: هو أول ملك يمني فرض العصيد وأقرها كوجبةٍ رسمية وشعبية، وألزم أفراد شعبه ورجال دولته وحاشيته بأكملها. قبل ذلك كانت العصيد من العقوبات ووسيلة عقاب يلجأ إليها الملك لمعاقبة أعدائه ومعارضي حكمه وغيرهم من المجرمين والخارجين عن القانون. لكن الذي جعل الملك يَعْصُدْ الأول يُلزم شعبه بأكل العصيد هو أن المجاعة اجتاحت مملكته وكادت تقضي على شعبه وتتسبب في انهيار دولته. لهذا السبب ولخشية الملك على شعبه من أن يموت جوعاً، كان عليه أن يتخذ بعض الاجراءات الاقتصادية الجريئة ويصدر هذا القرار الجريء ويجرِّع شعبه العصيد. ومع أن الشعب أستاء وثار ضد هذا القرار الجائر وخرج إلى الشوارع يهتف ضد الملك وضد العصيد، إلاَّ أن الملك يَعْصُدْ الأول لم يكن مجرد ملك عادي وإنما كان ملكاً عظيماً وحكيماً شعبياً مثله مثل حكيم اليمن علي ولد زايد. كان في قرارة نفسه يدرك أن العصيد هي الحل، وأن شعبه الرافض للعصيد أجهل من أن يعرف مصلحته، فضلاً عن أنه كان يدرك أن الزمن كفيل بإعادة شعبه إلى عصيدة الصواب.

ثم إن الملك يَعْصُدْ الأول لم يكتف بفرض العصيد -بقوة النار والحديد- على شعبه ورجال دولته وأفراد حاشيته... وإنما كان أول من أكلها وجربها وقدمها لضيوفه من سفراء الدول الشقيقة والصديقة. ومع مرور الزمن أَلِفَ الشعب عصيدته، واعتاد عليها، وتأقلم معها، وصار من شدة إعجابه بها، يقيم لها المهرجانات في الميادين والساحات... ويأكلها في الهواء الطلق وهو يُطلقُ الهتافات: الله.. الملك.. العصيد. وذكر صاحب «الصحن الفريد في تحريم أكل العصيد» أن المذهب اليَعْصُدي -نسبة إلى الملك يَعْصُدْ الأول- صار هو المذهب الرسمي الوحيد للدولة اليَعْصدية الأولى وأن هذا المذهب سرعان ما انتشر في أوساط عامة الشعب واكتسح جميع المذاهب الأخرى إلى درجة أن الدولة أعتبرت العصيد من الثوابت، وكل من يتخلى عنها أو يرفض أكلها خائ يستحق العقاب. وكانت العقوبة هي أن المتهم يُعذَّب بأكل العصيد ويُجبر على أكل المزيد منها إلى أن يُصاب بالبَشَمْ. لكن الذي حدث بعد ذلك هو أن الملك يَعْصُدْ الأول مات مسموماً بعد أن دسَّ له أعداؤه السم بين العصيد. وبعد موته، جاء الملك «يَهرُشْ الثالث» فحرَّم أكل العصيد وأباح أكل الهَريش وسعى إلى فرض المذهب اليَهْرشي كمذهب رسمي ووحيد للدولة اليهرشية.. ورفع شعار «من لم يَهرُشْ يُهْرَش». غير أن المذهب اليَهرُشي واجه مقاومة شديدة من قبل أتباع المذهب اليَعْصُدي الذي تمسكوا بعصيدتهم وثوابتهم وثبتوا على مبادئهم ورفضوا أكل الهريش والدخول في المذهب اليَهرشي رغم مالاقوه من هرش شديد.

وبعد موت الملك يَهْرش الثالث الذي مات مهروشاً انتقل الحكم إلى السلتويين وإلى الملك «يَسلُت الرابع» وكان ملكاً دستورياً ضعيفاً حاول فرض السلتة على الشعب بالقوة... وإحلال المذهب السَلتوي محل المذهب اليهرشي في محاولة منه لإحياء مذهب أجداده من الملوك السلتويين لكنه أخفق في نشر مذهبه وفشل في تحقيق أي إنجاز يُذكر، فضلاً عن أنه مات مسلوتاً. وبعد موت الملك يَسلُت الرابع، انتقل الحكم إلى الفحسويين أتباع المذهب الفحسوي الذين فرضوا الفحسة على الشعب وفحسوا معارضيهم من أتباع المذاهب الأخرى، وظل هؤلاء الملوك يتوارثون الفحسة لمدة طويلة. وكان آخرهم الملك «يفحس السابع عشر كبير الفحاسين». يقول عنه المؤلف: «كان ملكاً غشيماً شديد الجهل والفحس يفحس كل من يرفض أكل الفحسة حتى لو كان فقيراً معدماً لايجد ما يأكل».غير أن الشعب بمختلف مذاهبه ومآدبه انتفض ضد الملك يفحس السابع عشر عدة مرات إلى أن تمكن من فحسه. حيث مات هذا الملك الفحَّاس مفحوساً تحت أقدام شعبه.. وبموته جاء إلى الحكم الملك «يكْبُس الأول» فألغى الفحسة وفرض الكبسة وكان حكمه بمثابة كابوس. لكن اليعصديين كبَسُوا على الملك يَكبُسْ فمات مكبُوساً. وبموته عاد اليعصديون بمعاصدهم حيث أنتقل الحكم إلى الملك «يَعْصُد الثاني» وكان ملكاً داهية حكم البلاد بالنار والحديد وعصد البلاد عصداً، وقد مات هذا الملك معصوداً داخل طنجرة العصيد. بعده، حكم اليمن الملك السلتوي «يَسلْت الخامس» وكان ملكاً طاغية شديد البطش متعطشاً للدم والسلتة.. وهو بمجرد أن تربع على العرش رفع شعار «من لم يَسلُت يُسلَتْ».

وعن صاحب كتاب «الصحن الفريد في تحريم أكل العصيد» أن الملك يَسلُتْ الخامس، ومع أنه قمع واضطهد الفَحْسَويين واليَهرشيين والكبسويين ومنع شعبه من أكل الفحسة والهريش والكبسة، إلاَّ أنه ضاعف من قمعه لليَعْصُديين.. إذ حرم أكل العصيد وكفرَّ عاصدها وآكلها، وشن على هؤلاء وعلى مذهبهم حرباً دينية سلتوية شعواء رلى درجة أن اليَعصُديين في عهده كانوا يعصدون سراً ويتناولون عصيدتهم في السر وبتكتم شديد خوفاً من بطش هذا الملك السلتوي المتعطش للسلتة والدم. وفي عهده الزاخر بالسلتة والقمع، أغلقت جميع مطاعم وبيوت العصيد وحُطمت المعاصد و«المَحَاوش» و«المْخادِش» حتى لقد كادت العصيد أن تنقرض من الوجود، بل إن اليعصديين الذين قُمعوا بشدةٍ في عهده، اضطروا إلى الهجرة بحثاً عن عصيدة الأمان. وقد مات الملك يَسلُت الخامس مسلوتاً ومحروقاً بعد أن شدخوا رأسه بحرضة السلتة وهي تفور. وقد آل حكم البلاد بعده إلى الملك «يَسْلُت السادس» وكان ملكاً متسامحاً تعايشت في عهده المذاهب وتعددت المآدب. لكن مؤلف كتاب «الصحن الفريد في تحريم أكل العصيد» وهو يذكر ويعدد مناقب الملك يَسلُت السادس لم ينس وهو المعجب بهذا الملك ان يشير إلى بعض من مثالبه.. ومنها أن الملك يَسْلُت ترك الأقوياء وحدهم يَسْلتون وينفردون بسلتة الشعب. يقولُ المؤلف: «ولو أن الملك يَسْلُت السادس ترك شعبه يَسلُتْ لكان من أعظم الملوك السلتويين الذين حكموا اليمن في التاريخ القديم».