كيف أنتم والإنجليز؟

غلاف رحلة في بلاد العرب السعيدة من مصر إلى صنعاء نزيه مؤيد العظم
غلاف رحلة في بلاد العرب السعيدة من مصر إلى صنعاء نزيه مؤيد العظم (دار عناوين للنشر)

الإنجليز اصحاب أبين من قبلنا. ونحن واياهم اصحاب. وهم يدفعون لنا معاشا كل شهر. وإذا ذهبنا الى عدن يطلقون المدافع حين وصولنا وذلك للترحيب بنا!

- كيف حالكم مع الإمام؟

حالنا حسنة. لا أخذ ولا عطاء. نحن في ارضنا. وعمال الإمام في ارضه. فإذا تجاوزوا حدودنا نحاربهم. والله نحاربهم حتى نفنى جميعا.

- هل يجوز لكم وأنتم مسلمون أن تحاربوا إخوانكم المسلمين؟ الا تخافوا الله ومن يوم الله؟

والله نخاف الله. ومن يومه. ولكن عمال الإمام قوم ظُلاَّم لا يخافون الله. ونحن لا نريد أن نعاملهم بشيء.

- الا تفضلون عمال العرب المسلمين على الاجانب الإنجليز؟

نحن لا نفضل واحدا على واحد. وقد عقد آباؤنا مع الإنجليز اتفاقات ومادام الإنجليز محافظين على هذه الاتفاقات فنحن معهم.

- وإذا اتفق الإمام معكم. ألا ترغبون ان تتفقوا معه وهو أفضل من الإنجليز؟

والله نتفق معه ونحارب الإنجليز ايضا لأننا لسنا قبيلة أحد وليس علينا سلطان. فمن يملأ كفنا قروشا فهو سلطاننا الحقيقي.

- إذا دفع لكم الإمام قروشا فهل تخضعون له؟

نعم نخضع له ولكن بشرطين:

اولا ان لا يطلب منا رهينة *

وثانيا إذا اتينا صنعاء يجب ان يطلقوا حين وصولنا مدافع. !

 

***

*المقصود بالرهينة ذلك النظام الذي كان معمولا به ايام حكم الائمة في شمال اليمن ويتمثل في ان يودع الشيخ الذي يرتاب في اخلاصه ولده للإمام او اعز شخص لديه ليحتفظ به حتى إذا خان هذا الشيخ سيده تصرف الإمام في ذلك الشخص كما يشاء ولهذا يصعب على الشيخ ان يهجم على الإمام او يخونه لعلمه ان هناك خطرا على وديعته.

***

الحوار العجيب أعلاه الذي شدني اليه لعدة اسباب ورد في كتاب "رحلة في بلاد العربية السعيدة" لمؤلفه نزيه بك مؤيد العظم -الذي زار اليمن الشمالي قادما اليها عبر عدن من مصر عام 1927م وهو صحفي ورجل أعمال سوري –وبين السلطان محسن بن علي مانع الحوشبي سلطان سلطنة الحواشب كما كانت تسمى آنذاك فيما كانت منطقة المسيمير عاصمتها على انها ألغيت في عام 1967 عند تأسيس جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية وجلاء البريطانيين وهي تقع حالياً في محافظة لحج التي كانت محاددة لشمال وجنوب اليمن وتشهد توترات ونزاعات قبلية دائما كما بين الانجليز وجنود الإمام.

وللتنويه فإنه بعد احتلال بريطانيا لعدن في عام 1839م ظلت الأحوال غير مستقرة لها إذ استمرت المواجهات بين عدن والقبائل المحيطة، حتى وجدت بريطانيا نفسها تقيم تحالفات حماية استراتيجية مع زعماء القبائل بحيث كانت عدن هي ماتهم البريطانيين على وجه الخصوص، ما جعلهم يرعون ما سمي حينها بمحمية عدن التي تكونت من إمارات وسلطنات ومشائخ تربطها ببريطانيا معاهدات حماية موجبة من الطرفين تمت بقبول ضمني من العثمانيين الذين حافظوا على ابقاء اليمن الشمالي تحت نفوذهم رغم الاهوال التي تلقوها هناك ايضا ومن ثم انسحابهم لاحقا.

ففي الجانب الاخر وتحديدا مع مطالع القرن الماضي كان الإمام يحيى يريد مد نفوذه الى عمق النفوذ الانجليزي بعد ترسيم الانجليز والاتراك الحدود عام 1914 ورحيلهم من اليمن الشمالي بعدها بحيث انهاروا نهائيا جراء المقاومة الشديدة للقبائل الموالية للإمام بينما تولى الحكم في شمال اليمن من بعده ابنه احمد والذي واصل تطلعات ابيه حتى قيام الثورة عام 62.

إثر ذلك تم دمج المحميات بمستعمرة عدن وأصبحت تعرف باتحاد الجنوب العربي وفي وقت لاحق بعد اشتعال الثورة العارمة في الجنوب بعد انتفاضة الحواشب ودثينة نهاية الخمسينيات ثم بدء الثورة ضد الإنجليز عام 63 ومن ثم استقلال اليمن الجنوبي عن بريطانيا اصبح الجنوب يعرف بجمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية بينما كان شمال اليمن عقب الثورة على نظام الائمة قد اطلق عليه اسم الجمهورية العربية اليمنية.

طبعاً كانت المحمية الغربية لمستعمرة عدن تتكون من السلطنة الكثيرية، سلطنة المهرة، السلطنة القعيطية، سلطنة الواحدي.. وكذلك كانت تتكون المحمية الشرقية لمستعمرة عدن من: مشيخة العوالق، مشيخة العقربي، سلطنة العوذلي، امارة بيحان، مشيخة دثينة، امارة الضالع، سلطنة الفضلي، سلطنة الحواشب، سلطنة العبدلي، سلطنة يافع السفلى، مشيخة القطيبي، مشيخة الشعيب، سلطنة العوالق العليا، سلطنة يافع العليا.