عن إيران والسعودية!

‏مازلت أتذكر صورة الإمام الخميني التي كانت معلقة في مكان بارز في منزلنا منذ نهاية الثمانينيات. ومازلت أتذكر رد فعل وبعض تعليقات أصدقاء والدي وزوار المنزل حين يشاهدون تلك الصورة التي كانت كأنها صرخة أو تمرد أو تحدٍّ في حينه. حين كان مازال مجرد ذكر اسمه أو صورته "تهمة" في اليمن.

‏كان كل من حولي يحرصون على زرع محبته واحترامه لدينا منذ الطفولة.

‏لهذا حين كنت في المدرسة العراقية في برلين، وكانت المعلمة العراقية كعادتها تذكره بسوء وبلا سبب "نوع من التعبئة للتلاميذ"، وأنه فارسي وعدو لكل العرب...

‏استفزتني جدًا، وطلبت الحديث وسألتها: أليس الخميني هاشميًا؟أليس الهاشمي عربيًا؟ إذن هو عربي ربما أكثر منك يا ست! فارتبكت وأحرجت وامتعضت مني...

‏هكذا نشأنا، وهكذا كان والدي حين كان حب الإمام الخميني "موقفًا" تتحمل مسؤوليته وتدفع ثمنه في التقارير الاستخبارية وفي عملك، وربما في حياتك كلها.

‏أما السعودية فلم أذكر أننا حُرضنا ضدها كدولة أو شعب، ‏كنا نسمع انتقادات للمذهب الوهابي الذي كانت تروجه في بلادنا.

لكن السعودية كنظام سياسي هي تحاربت مع الإمام يحيى، ثم ساندت الملكيين لسبع سنوات بكل طاقتها... وأخيرًا رعت صلحًا بين الملكيين والجمهوريين.

‏يعني سياسيًا لا موقف ثابتًا لها، هي تتصرف بحسب المصلحة والممكن.

‏وأخيرًا احتضنت الملكيين عندها، وكانت تعامل اليمنيين كأنهم مواطنون سعوديون حتى حرب الخليج، ومن ينكر هذا كاذب.

‏النظام السعودي حين بدأ يمارس وصايته علينا، كان جمال عبدالناصر قد سبقهم! كان قد حبس الحكومة اليمنية في القاهرة وأذلها، وكان يتصرف بعد تدخله العسكري في اليمن كأن اليمن محافظة تابعة له أو مستعمرة مصرية!

‏لهذا ربما فكر النظام السعودي أنه أولى من غيره في الوصاية على اليمن طالما فتح اليمنيون باب المزاد. لكنهم بطبيعة الحال لم يراعوا في سياستهم مصلحة اليمن...

‏اكتفوا بشراء ولاء بعض المشايخ، وعززوا من تخلف اليمن وفقره والفتن بين أبنائه، نشروا التطرف، صادروا حرية القرار في التنمية، في مجالات التنقيب عن النفط وغيرها. سعوا لتعيين من يدين لهم بالولاء..

لهذا ستجد كل الأطراف اليمنية سخطت على السياسة السعودية، حتى من كان يستفيد منهم ماديًا.

‏متخذ القرار في السعودية اعتمد على كونه يملك فائضًا من المال، ويشتري به كل شيء.. لم يدرس اليمن، لم يحاول فهم اليمني، لم يدرك أن سياسة تدمير اليمن ستنعكس عليه عدم استقرار وخرابًا في المستقبل.

‏اليمني عنده مساحة من البراغماتية السياسية بالفطرة، ليس عقائديًا ثابتًا وجامدًا. لكنه أيضًا يتمسك بمستوى من الكبرياء لا يمكنه التنازل عنه حتى لو فقد حياته! لهذا موقفه مع الضعيف هو انعكاس لاعتداده بنفسه بنفس قدر طيبة قلبه.

‏النظام السعودي لم يفهم هذا.

‏ولهذا كان حتى علي عبدالله صالح والمشايخ المحسوبون على السعودية يتمردون من وقت لآخر، مثل موقف علي صالح من حرب الخليج.

‏كانت بعض المحطات نوعًا من التعبير عن التمرد واستعادة الكبرياء الذي كانت تتجاهله أو تجرحه المملكة بالتوازي مع زيادة أوضاع اليمن سوءًا.

‏توالت الأحداث حتى اعتدت السعودية على اليمن "قصفًا وقتلًا وحصارًا"، حين قرر الشعب التحرر من الوصاية السعودية.

‏كان النظام السعودي حينها في أغبى حالاته، وأغبى من العدوان الفج والتدخل العسكري في اليمن، كان إعلان أن السبب هو إعادة اليمن للحضن العربي!

‏النظام الإيراني يعتمد على ذكاء سياسييه لمواجهة الحصار والعقوبات الدولية ضده، استثمر ذلك الغباء السعودي على أفضل وجه. ودعم اليمن في مواجهة العدوان سياسيًا، وفي جوانب أهم، وهي الجوانب التي قدمها لكل محور المقاومة، ولولاه لكان النظام السعودي لايزال يقصفنا مثلما يفعل الكيان الصهيوني بالفلسطينيين.

‏ولا يمكن أن ينكر موقف وفضل إيران إلا جاحد، لكنك هنا لا تتحدث عن علاقة شخصية.. العلاقات بين الدول حساباتها أخرى.

‏إيران "دولة" لها حسابات ومصالح وأولويات... وكذلك اليمن دولة لها حسابات ومصالح وأولويات... وهذا معلوم وواضح... ولا أظن أن النظام الإيراني أصلًا يريد الوصاية على اليمن.

‏وهذا يجعل إيران دولة صديقة لليمن، ولها الأولوية في كل شيء، وتوسع علاقاتها وانفتاحها على الشعوب العربية، وهذا هو الطبيعي.

فإيران دولة مسلمة وجارة للعرب، ومواقفها ثابتة ومنحازة مع فلسطين، ودفعت ثمن هذه المواقف فعلًا عقوبات ومعاناة وخسائر. ومقاطعة إيران أو معاداتها معصية لله وخطأ سياسي.

‏لكن العلاقة معها ينبغي أن تكون كالعلاقة مع غيرها إيجابية لصالح البلدين، وكل نظام يراعي في مواقفه مصالح شعبه أولًا (كلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته).

‏هذا هو الخط الذي يحمي السيادة.. إلا كانت مواقف الدول مع بعضها مثلما كا‏نت فكرة "الربا" التي حرمها الله جل جلاله!

فأنت تقرضني، لكنني أبقى أسيرًا لهذا القرض بقية حياتي!

وهذا لا يجوز.

‏ولا أظن إيران تسعى له، ولن تقبله اليمن.