قتل الصحفيين ديمقراطية أمريكا وحروب إسرائيل

قتل المدنيين جريمة حرب في القانون الدولي الإنساني، واتفاقية جنيف، ونظام روما، أما قتل الصحفيين؛ فهو جريمة الجرائم.
الصحفي مدني، وإضافةً إلى مدنيَّته، هو ناقل الحقيقة، وشاهد الوقائع وراصدها، والمدافع عن الحق والعدل والحياة.

تقبع البلدان العربية في أسفل سلم بلدان حرية الرأي والتعبير، والحريات الصحفية، ولا تتفوق على البلدان العربية إلا أمريكا وإسرائيل في التقتيل. فأمريكا -البلد الأول في حماية الديمقراطية عالميًا- هي الأول حقًا وصدقًا في القتل العالمي للصحفيين، وفي حماية الأنظمة الأكثر فاشية وقمعًا للحريات العامة، والديمقراطية، وحرية الرأي والتعبير (الحريات الصحفية).
بدون تناول كل ما حصل ويحصل في أمريكا اللاتينية، وإفريقيا، وفيتنام في آسيا، فإن قتل الصحفيين في العراق، وسوريا، وفلسطين، على يد القوات الأمريكية، يبرز التفوق الأمريكي في القتل على الاستبداد العربي. ويقينًا، فإن للأمر علاقة بالضعف العربي.
المفكر الأمريكي نعوم تشومسكي في كتابه المهم الذي ترجم بتسميتين «إعاقة الديمقراطية»، و«ردع الديمقراطية»، والمؤدى واحد، يرى أن مفهوم التسلط على الفكر في المجتمعات الديمقراطية، أو بالأحرى مفهوم بناء جملة من الآراء في مجتمع ديمقراطي من خلال مؤسسات هرمية وقمعية خاصة، فهو ما يتناقض، إذا نظرنا إليه نظرة سطحية من الخارج، فأي مجتمع يكون ديمقراطيًا بمقدار ما يلعب أفراده دورًا ذا معنى في الشؤون العامة، أما إذا كانت أفكار هؤلاء الأفراد خاضعة للسيطرة، أو خياراتهم محدودة ضمن حدود ضيقة؛ فإنهم عندئذ لا يلعبون أي دور ذي معنى.
ويلفت إلى غزو فيتنام الجنوبية، والإطاحة بالديمقراطية في غواتيمالا 1954، والحفاظ على حكم العصابات المجرمة منذ ذلك التاريخ بإدارة أكبر وأوسع عمليات إرهابية دولية في التاريخ ضد كوبا. ويدين موقف وإشادة أمريكا بالستالينية وأساليبها الفاشية، مدينًا الموقف ضد الديمقراطية الجذرية في القارات الثلاث، وتشجيع الإرهاب الدولي، والدكتاتوريات، ونظام الفصل العنصري في جنوب إفريقيا، وحتى داخل القارة الأوروبية وعالميًا، مؤكدًا على إدانة إسرائيل بدعم أمريكي مطلق.
ويرى (ص53) "منذ بداية الحرب (يقصد الحرب العالمية الثانية)، ولأسباب عميقة الجذور، دأبت الولايات المتحدة على اتباع خط معادٍ لكل من مبدأي حق تقرير المصير، والديمقراطية؛ بصرف النظر عن الالتزامات، والتعهدات الكلامية والبلاغية".
ويتناول الكتاب المهم جل حروب أمريكا، وتدخلاتها، وتشجيع الإرهاب، والثورات المضادة في مختلف أرجاء العالم، وردع الديمقراطية، والحريات، والثورات؛ مدينًا حملات غسل الأدمغة، والسيطرة الأيديولوجية، ونهب الثروات، وإعاقة التطور والتقدم. ويصف وسائل الإعلام نقلاً عن صحيفة "بوسطن غلوب" بأنها قطيع مطيع؛ حتى لا نقول: لعق الأحذية.
ويفرد مساحة كبيرة من الكتاب لتجارة المخدرات، والدور الأمريكي في حمايتها، والعلاقة بنوريجا، ثم إعلان الحرب عليه.
ويتناول الموقف من حرية الرأي والتعبير في الحرب الأمريكية ضد بنما: "تحركت قوات الاحتلال أيضًا لفرض القيود على الأمور المزعجة مثل حرية التعبير. تقول صحيفة "إكسلسيور" إن أجهزة مخابرات الولايات المتحدة تمارس الرقابة، ليس فقط على وسائل الإعلام المحلية، بل وعلى وكالات الأنباء الدولية، حسب كلام رئيس اتحاد الصحفيين في بنما، وأن الدبابات احتلت كبرى شركات النشر البنمية التي تصدر ثلاثًا من الصحف اليومية" (ص172).
ويتناول القمع السافر للإرادة القومية في التحرر والاستقلال، كما يتناول قمع حرية الرأي والتعبير، خصوصًا في العالم الثالث، ويصل إلى القول: "لا نقول إن نوايا أوروبا واليابان ألطف بكثير، غير أن من الأفضل أن نتعامل مع ثلاثة لصوص، وأيديهم في جيبك من التعامل مع لص واحد فقط؛ إذ قد يختلفون في ما بينهم حول اقتسام الغنيمة الباردة؛ مما يوفر لك هامشًا ما للمناورة" (ص175-176).

قتل الفلسطينيين، وتشريدهم، وتدمير منازلهم في الضفة والقطاع، لا يمكن أن يقرأ بعيدًا عن النهج الصهيوني "أرض بلا شعب، لشعب بلا أرض".
الأمين العام لاتحاد الصحفيين العرب الأستاذ صلاح الدين حافظ، في مقال له بصحيفة "الخليج"، بعنوان «انتهاك حرية الصحافة جريمة حرب»، يتتبع جرائم أمريكا في الحرب على العراق، وتعمد قتل الصحفيين، والتعذيب الوحشي للسجناء في السجون الأمريكية بالعراق. يضعهما التكييف القانوني، فضلًا ً عن الإنساني والأخلاقي معًا، ضمن جرائم الحرب، وضد الإنسانية.

ويتناول بالتفصيل انتهاك حرية الصحافة والرأي، وانتهاك حق المجتمع في المعرفة، وانتهاك الحق في الحياة.
جرائم حرب الإبادة الجماعية في فلسطين غزة، منذ السابع من أكتوبر، وحرب المستوطنين والجيش والأمن الإسرائيلي ضد الضفة، كان نصيب الصحفيين منه راعبًا وكبيرًا؛ فقد قُتِل حتى الآن أكثر من أربعين صحفيًا، جلهم من غزة، وتحديدًا منذ السابع من أكتوبر، كما تم قتل أُسَر هؤلاء الصحفيين، فهم مئات، إضافة إلى تدمير المنازل، وتشريد المئات، وربما الآلاف من هذه الأسر في شعب يباد جماعيًا ويشرد.
نحس بالخجل عندما يقتصر الحديث على حرية الرأي والتعبير، أو حق مزاولة المهنة، أو الوقوف عند حدود قتل الصحفيين والإعلاميين الفلسطينيين في شعب يباد ويشرد بأكمله، وتُغتال فيه الحياة، وتتحول أرضه إلى بيئة غير صالحة للحياة، ولا ممكنة للعيش، ويريدها قادة إسرائيل وأمريكا وأوروبا الاستعمارية «جهنم الفلسطينيين في الدنيا»، كقراءة نتن ياهو لإصحاح أشعيا من العهد القديم.

الاتحاد الدولي للصحفيين يحمل إسرائيل المسؤولية الكاملة عن سلامة الصحفيين، ويحثها على اتخاذ خطوات ملموسة لحمايتهم وفقًا للقانون الدولي. ومعروف أن إسرائيل لا تلتزم بالقوانين والقرارات، ولا تعيرها أي اهتمام.
دعوة الاتحاد الدولي قد تبنتها أكثر من ثمانين نقابة صحفية عالمية، ومنها بعض النقابات العربية، وتشيد نقابة الصحفيين الفلسطينيين، والنقابة الصحفية المصرية بموقف «الاتحاد الدولي للصحفيين»، و«مراسلون بلا حدود»، لدورهما في إدانة قتل الصحفيين والإعلاميين الفلسطينيين المدافعين عن وطنهم وحريتهم.
تصل جرائم الحرب والانتهاك حد منع الصحفيين من الدخول إلى غزة، وإغلاق النت، وكل الوسائل الإعلامية والاتصال. التحية للزميلين في نقابة الصحفيين اليمنيين: مقرر الحريات الصحفية، أشرف الريفي، والأمين العام، محمد شبيطة، في بيانهما التضامني مع غزة.