كيسنجر... عربيًا!

ليس من باب الصدفة أو المصادفة والغرابة أن تكون أعمدة الحكم السبعة وجوهر وفلسفة الحكم الأمريكي تلمودًا صهيونيًا، تلك حقيقة مطلقة رغمًا عن كون الحقيقة نسبية وليست مطلقة.. حتى من قبل أن يتحول ملف القضية الفلسطينية عام 1942 من بريطانيا لأمريكا بعيد انزياح الدور الاستعماري البريطاني كقوة سادت... سلمت المهمة.. مهمة استكمال باقي المشوار الاستعماري.. للبلد الخارج منتصرًا من الحرب... أمريكا التي حاولت بعد ذلك ولاتزال تفرض قيادتها العالم عنوة واستعلاء، بخاصة بعيد مؤتمر بريتون وودز، وفرض هيمنة الدولار.

أمريكا ترى نفسها صهيونية أكثر من الصهيونية ذاتها، رداءة وبلاء، زاد بايدن من رعونة الأمر، ما راكمه بجلاء من عداء وجهنمية لقضايا الشعوب إن لم تكن تحت منظور هيمنة وسيطرة اللعبة الأمريكية، كما جاء بكتاب لعبة الأمم، عبر انحيازها المطلق صهيونيًا للكيان الصهيوني.. فها هو بايدن يقول بجلافة يحسد عليها، دونما خجل سياسي: ليس من الضروري أن تكن يهوديًا، حتى تصير صهيونيًا... ومن ثم فأنا صهيوني. ومن ثم فهو عنصري، لأن جوهر الحركة الصهيونية عنصري بالمطلق، من حين أساس التكوين والانبثاق الذي ينهي عمليًا ما يطرح بشأن كل من البديلين:
حل الدولتين أو إقامة دولة ديمقراطية تضم العرب واليهود معًا تحت مفاهيم دولة ديمقراطية الكيان أساسه الاستعلاء هم ولا غير.
أعرف... لن آتي هنا بجديد، لكون كلا المنظورين البريطاني والأمريكي جوهرهما واحد. الأمركة أبادت سكان أمريكا الأصل والمنشأ.. والصهيونية التي تدعم أمريكيًا وأوروبيًا هدفها وجود إبادة وتهجير شعب فلسطيني من أرضه. وهكذا كان تاريخ بريطانيا وفرنسا الاستعماريتين: الجزائر، جنوب إفريقيا مثلًا حيًا، وأستراليا أبادت شعب الأبروجنيز السكان الأصليين... أما أمريكا كما أشرنا حدث ولا حرج. العيون الزرق فقط ولا غير... ها هم قبل غزة يتمرغون بوحلهم وإرثهم الاستعماري، وهم يستبعدون بوشكين وديستوفسكي من قائمة الأدب العالمي، لأنهم فقط روس، فما بالك بشعب فلسطين!
نعود لتأصيل العنوان، ولما اتخذناه بهذا المسمى؟ أقول عن كيسنجر بداية، وهو الذي تنخر الصهيونية عظامه حتى النخاع، قد ظل مفاخرًا بذلك، فهو زيادة على مسيو بايدن يفضله لأنه يهودي الأصل.. وهو بالفطرة صهيوني. خلاف بايدن يفضله فقط بأنه مثلي حتى النخاع... مجرد متسول على أبواب أصوات اللوبي الصهيوني، يجدد ولايته الثانية سيدًا لكرسي سليمان بالبيت الأبيض، عفوا لخطأ الترجمة..
فالبيت الأبيض كان مظهرًا وجوهرًا من حين وجد أسود حالك السواد!
كيسنجر، ومن بواكير أيام دخوله حلبة السياسة، هدفه الأساس خدمة الكيان. تعزز ذلك الدور حين صار مع الرئيس نيكسون، مستشارًا للسي آي أيه... الجهاز الذي يشكل مع وزارة الخارجية الأمريكية، عماد رسم السياسية الخارجية للولايات المتحدة، تحت دعم ورمز وزارة الدفاع التي تشكل العمود والمرتكز الثالث لمكانة وقوة والتأثير الجيوسياسي والاستراتيجي للولايات المتحدة.
كيسنجر الذي نعتناه بالعربي تأكيدًا لما كان ولن يكون أبدًا حتى أعرابيًا، بل كان وظل عرابًا للخراب، ووبالًا على القضية الفلسطينية من حين أتاح له الزمان والتاريخ ليصير وزيرًا للخارجية، واضعًا نصب عينيه مايلي من أهداف:
محاصرة الدور السوفيتي بمنطقة الشرق الأوسط، بل العمل بشتى الوسائل لتحجيمه وإضعافه.
الداعم الكامل وغير المحدود للكيان الصهيوني، تجلى ذلك وهو يجهض قبل توليه وزارة الخارجية جهود سلفه روجرز، صاحب مبادرة روجرز لتحقيق السلام في الشرق الأوسط، حتى تمكن من إزاحته عن وزارة الخارجية، ليتمكن وهو وزير للخارجية، من أن يدير اللعبة لصالح الكيان قبل وبعد نصر 73، بدأت طروحاته المشبوهة تجد طريقها للساحة بدءًا بمبدأ الفصل بين السيادة والسيطرة، لأنه يهدف لاستمرار السيادة لإسرائيل، ولا مانع من السيطرة والإدارة من قبل من تم احتلال أراضيهم سواء بمصر أو سوريا. أتبع بعد ذلك بما سماه سياسة الخطوة خطوة خدمة زمنية لتمكين الكيان من تعزيز جبهاته، وتابع لعبته الجهنمية خدمة للكيان، وهو يردد لكل من يسأل لن تشهد الأيام خطة لكيسنجر، خطة للشرق الأوسط، للسلام.. الأمر إذن كان واستمر مخططًا بتلاعب أمريكي صهيوني متفق عليه، جوهره ما يلي:
لا مشروع متكامل للسلام يعيد كامل الحقوق لشعب فلسطين وبقية الأراضي المحتلة، بل التوسع هدفًا استراتيجيًا.
أمن وقوة وهيمنة وسيطرة إسرائيل هو الأساس والهدف والغاية.
ذلك يعني ضمنًا بقاء قضية شعب فلسطين معلقة بالهواء حتى يتم تمرير مفهوم إسرائيل الكبرى بالقوة.
منع قيام دولة فلسطينية رغم كل الضجيج والاتفاقات، رغم اتفاق أوسلو وما شابهه.
إبادة وتهجير أصحاب الأرض، أي شعب فلسطين.
أخيرًا والأهم الانتقال إلى مربع صفقة القرن، والدفع نحو المزيد من فخ التطبيع.
مزيد القول
معركة وطريق الهند -أوروبا... ليس كتاب ياهوذا نزل من السماء، إنه في صلب المهام الوظيفية لدولة الكيان.
إنهاء القضية الفلسطينية.
محاصرة أي دور لقوى أخرى عربية وغير عربية، تمثل تهديدًا للمصالح الأوروأمريكية بمنطقتنا العربية تحديدًا.
من هنا قلت كيسنجر عربيًا.. حين قرأت وشد انتباهي وقتلني همًا وأنا أقرأ بأم العين أفكارًا ومقالات من حسن الحظ أنها حتى الآن محدودة، وهي تجرنا إلى مربع اللعب والنار المحرقة التي تثير زوبعة وعمى أكثر من عمى الألوان ذاته.

مقالات بعضها ممن يكتبون ويعتلون مراكز ومناصب ذات تأثير، وبعضهم ذوو شأن ما، كنا لا نود لهم الوقوع بالحفرة السهلة، لأنها قد تقود للغرق!
بعضهم يتساءل: هل فكرت حماس بالعواقب؟
هل فكرت باليوم التالي وبالثمن الباهظ؟
بعضهم ذهب أبعد من مجرد القول والتساؤل، بل للاتهام بأن ما قامت به حماس من إعجاز زلزل كيان الكيان تمامًا، وهز العالم كله، وأيقظ ضميرًا عالميًا فاق بعد فضيحة الإعلام الكاذب، وأعاد للأذهان ما حدث بمصر 73 حين هزمت الإرادة الصلبة لشعب مصر ذل الهزيمة، لتصنع إنجازًا وإعجازًا لتحرير سيناء بدءًا بتجاوز مانع خط بارليف.
تناسى من يكتبون هكذا، أن لحظة امتلاك الإرادة واستقلال القرار، يتم تحقيق ما كان مسحيلًا.
ذلك ما مارسته غرة فلسطين والمقاومة على الأرض على إنجاز وإعجاز بدلًا من البكاء على أطلال عالم لا يعرف إلا لغة القوة التي تدفع السياسة قدمًا وبالاتجاه الصحيح. عالم معايير دهاء السياسة وسياسة القوة معيارًا لإعادة التوازن للمصالح بعيدًا عن الهيمنة والاستعلاء. وهكذا وجدنا عالمًا أمريكيًا أوروبيًا ينحاز للمغتصب.. ووجدنا عربًا ومسلمين يقولون يميلون، لكن كل ما كالوه وكل ما قالوه كان مجرد بيان خالٍ من جوهر التنفيذ والابتعاد حتى عن التلويح بما لديهم من قدرات يعمل لها العدو ألف حساب.. ما قالوه كان كلامًا لا يسمن ولا يغني من جوع، انتهى مفعوله بعيد انفضاض سامر القمة الموسعة عربيًا إسلاميًا.. وغزة تذبح.
فلسطين شعبًا ومقامة... أدركا أنه وإن لم يكن من الموت بد، فمن العار أن تظل محتلًا جبانًا من ثمانين سنة، محتلة أرضهم، مشردون مطاردون، ذلك لم يكفِ عقلية من كتب وانتقد المقاومة على عدم حسابها للعواقب.
بعضهم استحضر بقراءته نظرية المؤامرة، ونظرية المؤامرة صحيحة صهيونيًا وإنجليزيًا وألمانيًا، ثم أوروبيًا. ذلك مثبت كحقيقة.. ولكن البعض وهم يكتبون، لم يقولوا بأن من يترك حوله فراغًا يأتي الغير ليملأه.. ومن يترك فراغًا سياسيًا هنا أو هناك للغير، لا يلوم إلا نفسه، تمدد المصالح سياسات وأهداف، والسياسة لا تعرف الفراغ واللوم على ترك فراغ ينقض عليه الغير، هذا ما تفعله إيران.
إيران ليست ملاكًا مطهرًا. إيران تمدد ما كان له أن يكون إلا الفراغ الذي تركه له المحيط العربي.

لا تتركوا غزة لوحدها، هي قد صنعت المعجزة، أعادت للعالم وخارطته السياسية لذهنه ووعيه حقيقة إمكانات عربية هائلة يعمل لها العالم ألف ألف حساب، إن أحسن استخدامها، متى ما غادر أصحابها ساحة القول قد تفرقت أيادي سبأ من زمان.
تحية لصمود شعب يصنع بدمه ودماء شهدائه عالمًا جديدًا، والكل يعترف بذلك.
الوقت وقت استعادة وعي ودور ومكانة أمة تملك الكثير، يعمل حسابها العالم، بالذات العالم الأوروأمريكي الذي بينت غزة الوجوه القبيحة دولًا وكيانات وإعلامًا مضللًا، أو تلك الأفلام التي تغض أبصارها وهي تلبس رداء كيسنجر الصهيوني، فالوقت اصطفاف، وليس للمزيد من المتاهات حول ما كان وكان يجب، الوقت وقت إسناد ودعم، وأقله بعيدًا عن الكلام المخاتل، ليت من أشرت إليهم يتداركون، وليتهم يفعلون ذلك قبل فوات الأوان.. ليتهم.