طلب إحالته إلى التقاعد للخروج على المعاش فدخل المعتقل من بوابة المنطقة الشرقية

طلب إحالته إلى التقاعد للخروج على المعاش فدخل المعتقل من بوابة المنطقة الشرقية

البرلماني السابق أحمد بامعلم يمضي لياليه الرمضانية معتقلاً في العاصمة فيما والده يحتضر في المكلا
* المكلا - شفيع العبد- صنعاء - «النداء»
 في العاشرة والنصف من صباح الأربعاء 15 إبريل الماضي رنَّ هاتف أحمد بامعلم، 55 عاماً، العسكري والبرلماني السابق. أبلغه المتصل أن لجنة قدمت من صنعاء إلى المكلا لغرض معالجة قضايا الضباط ومطالبهم الحقوقية والوظيفية، طالباً منه الحضور إلى مقر قيادة المنطقة (العسكرية) الشرقية.
رفقة نجله ماهر اتجه بامعلم إلى مقر قيادة المنطقة. ماهر، 20 سنة،انتظر خارج المقر بينما عبر والده البوابة. كان في الواقع يعبر الخط الفاصل بين الحرية والسجن.
تأخر بامعلم كثيراً داخل المبنى فساورت الشكوك نجله في الخارج فقرَّر عبور البوابة -الخط الفاصل- بحثاً عن أبيه. سأل العديد من العابرين والمقيمين عن مكان تواجد والده في مقر المنطقة، لكن أحداً لم يتبرع بالتخفيف من روعه. وقد جاءه الرد، صاعقاً، ودون مقدمات، إذ رأى والده مطوقاً بعسكر غلف يدفعونه بقوة باتجاه طقم عسكري. هرع ماهر نحو والده الذي لم يسعفه العسكر بقول كلمات، وبالكاد تمكن من إخراج يده من الطوق المحكم لتسليم إبنه هاتفه الجوال.
عَبَرَ ماهر مجدداً بوابة المنطقة ولكن إلى الخارج، وسارع إلى إبلاغ عمه المهندس عمر، 52، بما حدث. اتصل الشقيق عمر بمدير الاستخبارات العسكرية الذي نفى علمه بالأمر، وقال بأنه سيستوضح لدى قيادة المنطقة عن حقيقة ما جرى، واعداً عمر بالاتصال به في المساء.

> أراد التقاعد لبلوغه السن القانونيه احتراماً للقانون فألقى به الأمن في المعتقل منذ 5 شهور في انتهاك صارخ للقانون
> المهندس عمر بامعلم يعتب على تراخي المنظمات الحقوقية، ويتساءل: هل يعقل اعتقال شقيقي لمدة 5 أشهر دون توجيه أية تهمهٍ إليه أو اطلاق سراحه
انتظرت أسرة  با معلم في منزلها في الشرج بالمكلا. انتظرت حلول المساء. خيم الظلام على المدينة لكن هاتف عمر لم يرن، فقرر الاتصال مجدداً فجاءه الرد من الطرف الآخر  حانقاً وبرماً :
«ليش أنتم منزعجين (هكذا) في حين أن أحمد (منغمس) في عمله الآن»!
 صباح اليوم التالي عبر المهندس عمر بوابة قيادة المنطقة للسؤال عن شقيقه. نفى قائد أركان المنطقة علمه بالأمر، واستدعى أحد الضباط للاستيضاح، فأبلغه الضابط أن «الجماعة» رحلوه إلى العاصمة صنعاء. وقد توجب على عمر أن يتلقى جرعة في الوطنية بدلاً من العودة رفقة شقيقه، إذ استغرب قادة المنطقة إصرار (الضابط) أحمد بامعلم على التقاعد، وفي صيغة استفهامية تنطوي على تنكيل وغطرسة قالوا لعمر: «ليش أخوك ما يباشر عمله وسنعطيه وظيفة بدل ما يروح مع هؤلاء الفوضويين؟».
لم يكن أحمد بامعلم يوماً فوضوياً، سواء بالدلالة الشعبوية لقادة المنطقة العسكرية أو بالمعنى الايديولوجي. فالسيرة الذاتية تكشف عن رجل يميل إلى الهدوء والاعتدال والانضباط، والالتزام بالقانون. ولذلك فالرجل الذي بلغ السن القانونية للتقاعد كعسكري سارع إلى المطالبة بإحالته إلى التقاعد. اللا فوضوي أراد التقاعد مراراً لكن طلبه لم يستجاب في دولة الفوضى! وبدلاً من «الخروج على المعاش» دخل المعتقلات في المكلا وصنعاء.
أحمد بامعلم، 55 عاماً، يسكن في المكلا، وله 3 أبناء و7 بنات، و5 أحفاد، حفيدتان من نجله الأكبر هاني، 25 عاماً، وحفيد وحفيده من إحدى بناته، وحفيدة من إبنة أخرى. من بين هؤلاء الأحفاد الخمسة لم ينعم باحتضان حفيده من ابنته، إذ قدم إلى دنيا «الفوضويين الأمنيين» بينما كان جده في غيابة السجن.
يُعد بامعلم من أبرز ناشطي الحراك السلمي في حضرموت. وهو اختير قبل شهور لشغل موقع قيادي في المجلس الوطني الذي يرأسه حسن باعوم. لم يكن اشتراكياً، إذ أخذ على حكم الحزب الاشتراكي في الجنوب، الموقف السلبي من الدين. وفي حرب 1994 كان ميَّالاً إلى قوات الشرعية بقيادة الرئيس علي عبدالله صالح. وهو انتمى لاحقاً إلى التجمع اليمني للإصلاح، لكنه في 1997 خاض الانتخابات النيابية مستقلاً رغم عضويته الإصلاحية وتمكن من الفوز، وقد تمتع بعلاقات حسنة مع مختلف القوى السياسية، بما فيها المؤتمر الشعبي العام، أثناء وجوده في البرلمان. وفي 2007 برز اسمه كأحد ناشطي الحراك في حضرموت. وقد تعرض في السابق للاعتقال عدة مرات وأفرج عنه. لكن اعتقاله الأخير في 15 إبريل الماضي كان استثنائياً في قسوته واستمراريته، فلفترة نصف شهر بعد تطويقه في مقر قيادة المنطقة الشرقية، تم تصنيف أحمد بامعلم باعتباره من ضحايا الإخفاء القسري. وفي مطلع مايو الماضي قرر الشقيق عمر والنجل الأكبر هاني مغادرة المكلا إلى صنعاء.
قال المهندس عمر لـ«النداء»: وصلنا صنعاء، وبدأنا رحلة البحث عن أحمد بمساعدة من برلماني صديق لأحمد منذ الدورة البرلمانية السابقة (1997-2003)، وقد قام هذا الصديق بجهود طيبة من أجل تمكيننا من زيارته».
أضاف: «لم يقل لنا أحدُ أين هو معتقل، لكنهم (أي الاستخبارات) طلبوا منا الانتظار في الفندق إلى أن يأتي أفراد (من الأمن) لأخذنا إليه». «في الصباح أخذونا إلى مبنى، وأدخلونا إلى أحد المكاتب، وهناك وجدناه في معنويات عاليه، وأول ما تقدمنا للسلام عليه سألنا بإلحاح عن صحة والده». «بعد عشر دقائق طلب منا المغادرة. كنا قد حملنا إليه ملابس وأغراض شخصية تم تفتيشها بدقه».
يتابع عمر: «عرفنا أن المبنى هو سجن للاستخبارات العسكرية، وقد طلبنا زيارته مرة أخرى في عصر اليوم نفسه، وقد قوبل طلبنا بالإيجاب، لكنهم اتبعوا نفس البرنامج، إذ انتظرنا في الفندق إلى أن جاءوا لأخذنا إليه، وقد حملنا معنا هذه المرة مأكولات تلائم صحته، فأخي يعاني من بعض المتاعب في الهضم».
«غادرنا السجن مرة أخرى، وطُلب منا مغادرة العاصمة والعودة إلى المكلا». «كانت تلك الزيارة الوحيدة التي سُمح لنا بها أثناء اعتقاله في سجن الاستخبارات»، ختم عمر قصة الزيارة اليتيمة.
لكن خاتمة آلام الأسرة لم تنته بعد. فإلحاح أحمد بامعلم على السؤال عن صحة والده عندما زاره شقيقه ونجله الأكبر، بديهية. كان يستشعر وطأة صدمة نبأ اعتقاله على صحة والده المسن والمتعب. والحاصل أن والد أحمد يحتضر حالياً في منزل الأسرة، فيما نجله ينتظر منذ نحو 5 أشهر ما ستسفر عنه «فوضى الأمن» في دولة الوحدة. الرجل المعتدل والناشط السلمي في الحراك الذي أراد إعلاء القانون، طالباً إحالته للتقاعد في الموعد المحدد، يتم التنكيل به في المعتقلات دون أي احترام للقانون، وسلطة القضاء. ومنذ 15 إبريل لم يتم مواجهته بأية تهمة، في انتهاك صارخ للقانون الذي يجرم حجز حرية شخص دون مسوغ.
«هل يعقل أن يمضي شقيقي شهره الخامس في المعتقل دون أن نعرف ماهية تهمته، ودون أن يتم تصحيح هذا الانتهاك بالمسارعة إلى الإفراج عنه؟»، يتساءل عمر بمرارة أثناء حديثه إلى «النداء» الذي التقته في المكلا نهاية الأسبوع الماضي.
لدى عمر عتبُ متفرع عن السؤال الذي لا يريد أن يولي، فقد طلعت من صوته مرارات وهو يتحدث عن تقاعس المنظمات الحقوقية المحلية التي تواصلت الأسرة معها، لكن هذه المنظمات لم تحتشد من أجل تحرير بامعلم من قبضة «الفوضى الأمنية»، «لم نلمس منها نتائج حقيقية بشأن متابعتها القضية»، قال. وبكلمات قصيرة، لها محمولات ودلالات، علَّق على تعاطي المنظمات الحقوقية اليمنية مع حالة شقيقه، قائلاً: «هذا يخلق نوعاً من التحسس في النفوس».
لا جدال. فالمحقق أن النسيج اليمني يهترئ، و«وحدة الوجدان» تتبخر جراء التنكيل بإنسان بريء. وخلال الشهور الماضية عانى المعتقلون على ذمة الحراك الجنوبي كثيراً جراء الانتهاكات الأمنية، وتجاوز القانون، وتراخي المجتمع المدني والحقوقي في الانتصار لحقوقهم الدستورية. وليس بوسع أحد تبرير الظلم الواقع على المعتقلين وأسرهم بأي من الشعارات الوطنية والثوابت الوحدوية!.
 ضراوة «الفوضى الأمنية» عمقت الجروح في النفوس. وخلال الشهور الماضية فقد السفير (المعتقل) قاسم عسكر والده، دون أن تسمح له السلطات بتشييعه إلى مثواه الأخير.
وفي هذه الليالي الرمضانية تواجه والدة الأكاديمي حسين العاقل الاستاذ في جامعة عدن الموت وحيدة في غرفة العناية المركزة بمستشفى البريهي.
وتعتصم زوجة حسن باعوم في بيتها في المكلا، داعية لنجليها فادي وفواز بالصبر والصمود في معتقليهما: الأول في معتقل جهاز الأمن السياسي بصنعاء، والآخر في السجن المركزي بالمكلا، في حين يكابد رفيق عمرها أهوال المرض في الخارج، بعيداً عنها وعنهم.
وبينما كانت «النداء» تزور البرلماني السابق أحمد بامعلم في السجن المركزي بصنعاء، كانت مصادر موثوق بها تؤكد لـ«النداء» بأن والده يحتضر في منزل الأسرة بالمكلا. وقد احترمت «النداء» رغبة أسرة با معلم في عدم تلبية طلب الصحيفة بزيارة الشيخ المحتضر.
وفي السجن المركزي بصنعاء اعتمد أحمد بامعلم نبرة رجل يتعالى على أوجاعه الشخصية، إذ طالب عبر «النداء» بالافراج عنه وعن زملائه من ناشطي الحراك دون قيد أو شرط «لأن اعتقالنا غير قانوني وغير دستوري».
أضاف بامعلم الذي التقته «النداء» مساء أمس: «إنْ لم يتم إعمال القانون والافراج عنا، سنضطر إلى البدء في إضراب شامل عن الطعام»، وتابع: «وفي حال حدوث أية أثار صحية سلبية فإن السلطة ستتحمل المسؤولية كاملة».
وعن الوضع الصحي لوالده، قال بامعلم إنه يتابع حالة والده عبر الزوار والاتصالات حالته، وبشأن المعاملة التي يتلقاها في السجن المركزي، أوضح بأن حالته الصحية جيدة، وأن زيارته مسموح بها هنا، خلاف الحال في السجن السابق (الاستخبارات العسكرية».
البرلماني السابق والناشط في الحراك الجنوبي، تجنب الخوض في تفاصيل المضايقات التي تعرض لها في «الاستخبارات العسكرية»، واكتفى بالإشارة إلى تعذيب نفسي قاسى منه هناك، وبينها وعود مكرورة بالافراج عنه.
لم يفت بامعلم التوكيد على عدالة القضية الجنوبية. وإذ حيا نضالات أبناء الجنوب والفعاليات التضامنية التي يتم إحياؤها في رمضان للمطالبة بالإفراج عن المعتقلين على ذمة الحراك الجنوبي، شدَّد على الطابع السلمي للحراك، وقال: «لن تثنينا السجون عن نضالنا السلمي».