المدينة المقدسة لا تموت أبدًا

تعد مدينة القدس العربية الفلسطينية، أعظم وأهم المدن التاريخية، إذ حظيت ولاتزال تحظى بمكانة رفيعة في تاريخ الحضارة الإنسانية لم تضاهها أية مدينة أخرى، وذلك بما تميزت به من قيمة روحية في الأنثروبولوجيا الإبراهيمية اليهودية والمسيحية والإسلامية، فهي موطن الإسراء والمعراج للنبي العربي الأمين محمد بن عبدالله، خاتم الأنبياء والمرسلين، صلى الله عليه وسلم،

وهي بيت المقدس، وزهرة المدائن، والقدس الشريف، وأولى القبلتين، وقبة الصخرة، والمسجد الأقصى، وحائط البراق عند المسلمين، وهي أرض الميعاد، وأورشليم، ومملكة دَاوُدَ، وحائط المبكى، وهيكل سليمان عند اليهود، وهي مهبط الوحي، وكنيسة القيامة، وإيلياء، وموطن الصليب، وأرض الميلاد والخلاص عند المسيحيين. وهي في الزمان ضاربة جذورها منذ الأزل بوجهها الكنعاني الحضاري، وتمتعت بكل من الموقع والموضع، فكانت ملتقى الاتصال والتواصل بين قارات العالم القديم، تعاقبت عليها معظم حضارات العالم في بلاد الرافدين والنيل واليونان وروما وفارس والحضارة العربية الإسلامية والعثمانية والغربية والأمريكية، وأمتها المجموعات البشرية المختلفة، مخلفة وراءها آثارها ومخطوطاتها الأثرية التي جسدت الملاحم والحضارة والتاريخ عظم وقدسية المكان، لكن مهما كانت المكانة الجغرافية الهامة للقدس، فإن مكانتها الحضارية والتاريخية تبقى هي الأهم.
وهكذا هي القدس برزخة الأرض والسماء، بؤرة التاريخ، ومحور احتدام الحضارات. وهذا ما جعلها موضع صراع دائم بين القوى والأقطاب المتنافسة، تدفع ثمنه هي وسكانها في كل العصور، إذ تعرضت القدس عبر تاريخها الطويل، منذ أن أسسها اليبوسيون الكنعانيون القادمين من الجزيرة العربية، قبل نحو 6000 سنة، للنكبات والحروب والتدمير. ورغم كل ما حل بها من نكبات وحروب أدت إلى هدمها وإعادة بنائها ثماني عشرة مرة عبر التاريخ، إلا أنها كانت في كل مرة كطائر العنفاء تنهض من الرماد، وتحلق من جديد، وتستأنف رحلتها بأعظم وأصلب من سابقتها.