الأدوات التقليدية

الأدوات التقليدية محمد الغباري

 يصر الرئيس علي عبدالله صالح على التمسك باستخدام الأدوات التقليدية التي رافقت وصوله إلى الحكم قبل أكثر من ثلاثة عقود من الزمن. وهو أمر كان ومازال سببا في الاختلالات التي اتسعت خلال السنوات الأخيرة، دون اعتبار للمتغيرات ومتطلبات كل فترة زمنية، حتى تحولت هذه الأدوات إلى لازمة لكافة القرارات التي تتخذ في كل مكان وتجاه أي طرف.
النظرة غير الودية إلى الحزب الاشتراكي، وتصويره كخصم لا يمكن الوثوق به، قادت إلى ما نحن عليه اليوم؛ إذ أدى انحسار نشاط الحزب بفعل التضييق عليه واستهداف كل تراثه، إلى القضاء على مقومات الدولة الحديثة التي كانت قد تخلقت في المحافظات الشرقية. كما أدى ذلك إلى بروز مشاريع جهوية تحمل في نواتها أسس تدمير كل الإرث الثقافي والسياسي الذي خلفته الحركة الوطنية طوال تاريخها. وباتت هذه الأصوات تنكر وتتنكر للقوى الوطنية بمختلف توجهاتها السياسية ونضالاتها وتضحياتها، وتعمل بجد من أجل إدانتها وإدانة تاريخها.
هذه الأدوات تعيد إنتاج نفسها من خلال مشاريع التخلف التي توفر لها كل مسببات البقاء والنمو. فالجماعات الدينية التي جرى استخدامها لضرب الخصوم السياسيين خلال فترة زمنية محددة، تحولت اليوم إلى خطر حقيقي؛ لا يهدد نظام الحكم وحده، ولكنه بات يشكل خطرا على البلاد ومصالحها وعلاقاتها الدولية. وأصحاب تلك الرؤية مازالوا يرون إمكانية تكرارها، بل ويوفرون لها كل مبررات الحضور والانتشار. ولعل في حالة طارق الفضلي نموذجا حيا لهذا النهج.
بعد 80 يوما من بداية المواجهات في محافظة صعدة منتصف العام 2004، انتهت المعركة بمقتل حسين الحوثي وانتقال بدر الدين الحوثي وعبدالله الرزامي للإقامة في صنعاء، نزولا عند رغبة الرئيس. ومع ذلك وجد من يخلق مبررات تمدد هذه الحرب واستمرارها، حتى أصبحنا على أعتاب العام السادس. وباستطاعة أي مبتدئ أن يدرك الأطراف التي تقف وراء هذه المسألة ويقدر حجم المصالح التي تكونت وتتكون خلال الحروب والفتن الداخلية. ويبدو أن الأمر ذاته سيتكرر في المحافظات الجنوبية، من خلال رعاية وتبني ما سُمّيت بـ"لجان حماية الوحدة".
في صعدة قام علي محسن بتجنيد الآلاف من أبناء المحافظة، تحت مبرر أنهم سيكونون القوة التي تواجه انتشار الحوثيين؛ لكن ذلك لم يتحقق، إذ بدأنا الحرب، والحوثي يتواجد في "مران"، وهاهو اليوم يمد وجوده من حرف سفيان إلى الجوف وإلى أطراف تهامة وحتى الحدود مع السعودية...
في الجنوب لا نحتاج إلى جنجويد تغرق اليمن وحكامه في مستنقع سوداني جديد. ولكننا بحاجة لمعرفة الأسباب التي أدت إلى هذه الحالة. نحن معنيون بوقف كل الممارسات وإعادة الاعتبار للقانون كمعيار للمواطنة، وبالحداثة كهدف نتطلع لبناء وطن جديد يعبر عن آمالنا في حياة حرة وكريمة. الارتكاز على تجربة الاقتتال الداخلي في المناطق الوسطى أثناء المواجهة مع الجبهة لم يعد ممكنا الآن. والإخفاقات المتواصلة في صعدة أغرت الكثيرين بتكرار التجربة. وما لم يعمل الرئيس على تجاوز الأدوات القديمة في الحكم فإن هذه الأدوات ستتحول إلى مصنع للأزمات.
الخوف من التغيير، والتضحية بمن ثبت عدم فاعليته، يزيد حجم القيود التي تحول دون وجود إصلاحات حقيقية، وتزيد الهوة بين تطلعات الغالبية العظمى من الشعب والسياسات العامة. إذا ما استمر هذا النهج فإن الحكم في البلاد سيجد نفسه محاصرا بالرموز القبلية، التي ترى في القانون خصما، وفي سلطة الدولة وبالا لا يمكن القبول به، أو أسيرا للجماعات المتطرفة التي تجيد إكثار الخصوم في الداخل والخارج، وفي ظلها تزدهر العداوات على المستوى الوطني والدولي.
malghobariMail