7 يوليو... برهان الوحدة الذي يؤكد نقيضها!

يستدعي 7 يوليو كل أسباب الانقسام في اليمن الآن، ويحضر تماماً كنقيض مباشر ل22 مايو، الذي بدا في فترة ما محل «الإجماع» العام. بين التاريخين تحتشد العواطف ودوافع العنف، ويعيد الناس اصطفافهم على الحدود الشطرية القديمة في مواجهة بعض، ولا أحد ينجو بالضرورة من ضريبة الكراهية والإحساس الحاد بالتمزق مرة أخرى، رغم كل «مظاهرات» التأييد للوحدة، والرطانة الرسمية المتكررة والمستفزة عن «إجماع» الشعب «الوحدوي» و«الأقلية الانفصالية».
يؤثث الكثير من «الجنوبيين» هوية جديدة، في مقابل ما يرونه «احتلالاً شمالياً». وأسباب الغضب التي تغذي هكذا تحول جذري في علاقتهم بـ«الوحدة» متوفرة بشدة، لا تنتهي بأعداد القتلى المتزايدة باطراد في المظاهرات المستمرة مؤخراً إذا كانت قد ابتدأت بحرب صيف 94 بالطبع، ويتحول بذلك 7 يوليو من رمز «انتصار» السلطة «الشمالية» إلى رمز لإعادة توحيد الصف «الجنوبي» في المقابل!
الشمال في مقابل الجنوب، الوحدويون في مقابل الانفصاليين، حراس الوحدة في مقابل المخربين، السلطة في مقابل الحراك... الخ. اليمن مقسومة على اثنين، متناقضين باستمرار، يقفان في مواجهة بعضهما، ضمن كل توصيف للوضع الآن في خطاب كل الأطراف، والأمر برمته يضع في الواجهة «جاهزية» الجميع للمواجهة بمستويات وأدوات عنف مختلفة، معتمدين على تراكم المرارات وسياسات رسمية تغذي الاحتقان ولا توفر الفرص والوقت لإعادة فرز اليمنيين كخصوم لبعضهم.
إن الدم والقمع يغذيان خطاب الكراهية. والأخيرة هي حاضنة العنف ومادة اشتعاله. وما يحصل الآن يؤبد هذه الكراهية ويؤدي بالأمور خطوة تلو خطوة نحو اللاعودة.
7 يوليو رمز لإعادة ترتيب العلاقة بين اليمنيين خارج موقع الندية والتراضي، وأصبح مفتاحاً لباب الريح، ولعلاقة قسر وضعت من خلاله فئة كبيرة من اليمنيين «الجنوبيين»، والجغرافيا التي ينتمون إليها، في مستوى أقل بالمعنى السياسي والنفسي، وعرضة لضراوة فكرة الانتصار «الشمالي/ الوحدوي» ومباهجها المؤذية التي تتغول بالنسبة لهم كل عام في الموعد ذاته؛ ليصبح الإفراط في الاحتفاء الرسمي بها، والتظاهر في يومها، والدفاع عنها، تأكيداً لدوافع النفور والشقاق، وإمعاناً في التعالي على الناس، وصباً للملح على الجرح الجنوبي.
لا يمكن حماية هذه البلاد من الانزلاق نحو المجهول، أو حماية اليمنيين من تفشي الكراهية والانقسامات وإغراء العنف، مادام 7 يوليو هو برهان الوحدة وجوهرها بالنسبة للسلطة. الاستمرار بذلك يؤدي إلى اختبارات القوة على الأرض، حيث ستكون السلطة، بأمنها ومعسكراتها و«حراس وحدتها»، في مواجهة الحراك، وستبدو فقط ككتلة عنف تتدحرج وتتضخم بالدم وانفلات ردود الفعل، ليستدرج الناس هكذا نحو العنف، محتمين بعصبياتهم في مقابل عصبية القوة التي تركن السلطة اليوم لعزوتها دون أن تدرك أن «دوام الحال من المحال»، وأن تلك القوة الوافرة بين يديها الآن ستبدل ولاءها كثيراً، وقد لا تكون حاضرة لرغبتها حين تفلت الأمور.
تدارك الأمر ومداواته يحتاج إلى السياسة، التنازلات، الوصول إلى تسويات صعبة، والركون إلى فكرة الحوار، والتخلي عن غطرسة القوة أو التوسل بأدواتها في وجه أي مطالب أو اعتراضات. تجفيف أسباب الشقاق والنزاع، ووقف التحريض والتخوين وذلك القسر الفج لمترادفات «الوطنية»  و«الوحدوية» على تعريف واحد. لدينا إرث طويل من الدم وأسباب الكراهية والانقسام، ووفرة في مواد التحريض وقيم التعالي والتمييز ومظاهر العنصرية، وما أسهل استدعاء كل ذلك الآن، لتنحدر اليمن نحو غابة العنف، حيث لن يجد أحد طريقاً للخروج إذا لم يتم وقف ما يحدث.
maged