الإرهاب والفساد

الإرهاب والفساد - عبدالباري طاهر

الارهاب والفساد صنوان سقيا بماء واحد، ماء الاستبداد. الاستبداد الذي يخصي العقول ويئد المواهب، ويشوه الحياة، ويمسخ الانسان.
 في اليمن لم يزدهر الارهاب إلا في مناخ الفساد الذي عم البلاد وقتل العباد.
يبدأ الارهاب من نشر العقائد الأكثر سلفية ورجعية في مجتمع عرف التحضر والتمدن منذ الآف السنين. لقد بدأ الارهاب ينمو مع منع وحظر وتحريم الحصص الفنية والموسيقى والالعاب والرياضة والتمثيل في مدارس الأطفال، وفي التعليم الاساسي والجامعي، وتحريم الاختلاط ونشر المذاهب الأكثر بداوة وجاهلية وتخلفا.
 منذ انقلاب ال5 من نوفمبر 67 بدأ انشاء المعاهد العلمية بين مزدوجين في الانتشار في ال ج.ع.ي وجرى نشر السلفية السياسية في عموم المدارس الرسمية، وتحويل المناهج التربوية. وتحول المسجد إلى مراكز دعوية للتشدد والتكفير والتفسيق، وسنت تشريعات عقابية تجرم الحرية وتخون العقل، ومنذ الثمانينات تحولت ال ج. ع. ي إلى مركز دولي للارهاب، ومن يرجع إلى الصحافة المصرية في هذه الفترة سيلاحظ مدى تبني الدولة لهذه الاتجاهات، ورعايتها وحمايتها. لقد نشأ تحالف بين العسكر والقبائل والاتجاه الاسلاموي السياسي فأثمر التحالف ألوانا من الفساد والاستبداد والارهاب.
واستطاع التحالف العضوي تفجير الوحدة الديمقراطية الطوعية والسلامية بالحرب «المقدسة» لتعود باليمن كلها إلى بؤر الارهاب الحقيقي.
لا تستطيع الدولة اليمنية القضاء على الارهاب لأن مجمل سياساتها إرهاب: عسكرة الحياة السياسية ذروة هذا الإرهاب الأعمى. وتحويل المدرسة والجامعة أو اخضاعها للقبضة الأمنية والعسكرية إرهاب حقيقي. نشر السلفية في مختلف مناطق اليمن ودعمها وتمويلها إرهاب، ابتداء من مركز دماج وجامعة الايمان ، والمراكز في مأرب ومعبر وغيرها.
لا تستطيع الدولة أن نحارب الارهاب والتيارات الارهابية وهي تتبنى سياسات اقتصادية اجتماعية ثقافية وتربوية ارهابية. ثم كيف تحارب ارهاباً تتحالف وتتحاور معه سراً وعلانية؟ لا تستطيع محاربته في مأرب وشبوة والجوف وتتحالف معه في أبين ولحج والضالع.
الدولة بسياساتها ونهجها الحالي غير جادة ولا صادقة في تحدي الارهاب. فالارهاب الابن الشرعي لفساد الدولة واستبدادها.
تتحاور الدولة مع التيارات الارهابية، ومحاولات الهداية والارشاد بالتي هي أحسن تعبير عن مأزق الدولة في التعاطي مع الابن العاق. فهولاء الارهابيون لهم ديون وذمم في عنق الدولة اليمنية. ففي الثمانينات تحولت ال ج.ع.ي إلى سوق نخاسة تجارة المحاربين في افغانستان، ومول بعض دول النفط هذه التجارة الاجرامية.
وبعد الوحدة لعب صقور القبيلة وأسراب التيارات الارهابية دوراً في الاغتيال السياسي لكوادر الحزب الاشتراكي التي وصلت إلى 150 شهيداً، وكان الاغتيال السياسي الكاثر الشرارة التي أشعلت حرب 94. حينها كان الارهابيون أنامل ذهبية بيد الدولة تقتل بها من تشاء كتعبير مستشار الامن القومي الامريكي بيروز نسكي، وكانت الحرب الاجرامية تحالفاً (مقدساً) ومعمداً بالدم ضد قادة ودعاة ومهندسي الوحدة الديمقراطية والسلمية.
صحيح أن الدولة وخصوصاً بعد انتصارها بالحرب، وبعد أحداث ال11 من سبتمبر حاولت ركوب موجة التحالف الدولي بزعامة امريكا ضد الارهاب، وحاولت الحد من نفوذ وجنوح هذه التيارات، وحصلت صدامات في اكثر من مكان، ولكن الاهم أن الحبل السري بين هذه الجماعة والحكم لم تنقطع يوما أو في لحظة من اللحظات، فالوشائج والصلات ظلت قائمة. وتتعاطى الدولة مع هذه التيارات بالهداية حيناً والضغط الامني حيناً والر...... في أحين أخرى.
ويبدو أن السلطة اليمنية والعربية السعودية الدولتان العربيتان الاكثر احتياجاً لتيار الارهاب! فالدولة السعودية يعتبر التيار السلفي الوهابي أحد الدعائم الاساسية التي قامت عليها دولة آل سعود رغم الصراعات الدامية بين مؤسس الدولة عبدالعزيز آل سعود وبعض أتباع محمد بن عبدالوهاب صاحب كتاب الوحيد مثل فيصل الدويش قائد كتائب الاخوان في الثلاثينات، وجهيمان العتيبي في أواخر السبعينات، وما يقوم به أتباع اسامة بن لادن- ذا الاصل اليمني والجنسية السعودية إلا أن التحالف بين المؤسسة الدينية الوهابية والحكم أقوى من أي شيء آخر. أما اليمن فرغم طابعها القومي والعلماني الرخو فإن الجذور القبلية قد وجدت في الاسلام السياسي والتيارات الجهادية خير سند وحليف في مواجهة الاحتياجات الشعبية المتزايدة».
تحالفت الدولة مع التيار الاسلامي في مواجهة الحزب الاشتراكي في الجنوب والجبهة الوطنية في المناطق الوسطى في السبعينيات، وتحالفت مع الاسلام السياسي بكل تفرعاته بما في ذلك التيارات «الجهادية» بعد الوحدة، وهي محتاجة أشد الاحتياج لهذا التيار في مواجهة تمرد الحوثيين في صعدة والاحتجاجات في الجنوب والمطالب السياسية للمشترك في المدن الرئيسية. والأهم توقع السلطة توسع دائرة الاحتجاجات بسبب فشلها في حل معضلات التنمية والبناء، وتحقيق الحد الأدنى من المطالب الشعبية، و توفير الأمن والسلام والاستقرار وبناء دولة النظام والقانون، والحفاظ على لقمة الخبز وشربة الماء.
لا يمكن فهم سر ومغزى الدلال والتمرد الذي يبديه التيار الارهابي. فرغم نزول السلطة واستجابتها المتكررة لمطالب هذه التيارات، وإظهار المرونة والتساهل معهم والاغراء بالوظائف والمال والتجاوز عن تعدياتهم على المواطنين والممتلكات العامة وتحدي سلطات الحكم في اكثر من مكان إلا أن الحكم ما يزال يراهن على هذا التيار ويمده بالمال والسلاح والوظائف. لأنه محتاج اليهم أكثر من احتياجهم اليه.
وحقيقة لولا ضغط المجتمع الدولي والمؤسسات المانحة لما قامت الدولة بالمواجهة بين الحين والآخر مع هذه التيارات الخارجة من معطف الحكم.
تتواشج العلاقة حد الحميمية بين القبيلة المدججة بالسلاح وبين فساد الحكم واستبداده وبين هذه التيارات التي لا هم لها غير تدمير البلد وامنه واستقراره.
قضية الكوريين الجنوبيين مخيفة لأنها تدلل على اختراق لتيار الارهاب والا فكيف يجري تصعيد السفير والفريق الكوري الواصل للقيام بالتحقيقات.
من حقنا كيمنيين وكعرب ومن حق العالم أن يقلق لما يجري في بلادنا. فالبلد الفقيرة والشحيحة الموارد والمهدرة الامكانيات المحدودة عندما ينتشر فيها وباء الارهاب فإنها تكون عرضة للدمار. فالفساد والاستبداد والارهاب هو الثالوث الشرير الكفيل بتدمير سلطة ضعيفة وهشة، وهو سينخرها ويسوسها من داخل الجسد لأنه جزء اساسي منها.
نجحت الضربات الامنية السعودية ظاهرياً ضد هذه التيارات، ودفعت بها إلى البؤرة اليمنية، ولكن المفرخة الكبرى في السعودية (هيئة الامر بالمعروف والنهي عن المنكر) ماتزال تعد بالكثير ضد السعودية واليمن معاً، ويخطئ الحكم هنا وهناك حين يعتقد أن الشعبين هما وحدهما الضحية، فالحكام ايضاً سيكونون، وبدون أن ندعو عليهم، في جملة الضحايا، فدولاب الارهاب عندما يتحرك لن يوفر أحداً. فهو كجهنم لا تبقي ولا تذر. فالارهاب كالنار تأكل بعضها أن لم تجد ما تأكله.