"سلطان" ليبيا وحلواه!

هناك شيء مزعج في السلطة عندما تزيد عن حدها.
وعندما يتعلق الأمر بالسلطة المطلقة، يتحول الإزعاج إلى مقت مخيف.
استمعوا معي إلى الخبر التالي: "أكدت السلطات الليبية الخميس 09 اكتوبر، أنها قررت سحب أرصدتها البالغة سبعة مليارات دولار والمودعة في المصارف السويسرية، كما أنها ستعلق تسليم النفط لسويسرا، احتجاجاً على سوء معاملة الدبلوماسيين ورجال الأعمال الليببين من قبل شرطة كانتون جنيف."
تعرفون بالتأكيد أن عبارة "سوء معاملة الدبلومسيين ورجال الأعمال الليبين من قبل شرطة كانتون جنيف" تعني بها السلطات الليبية واقعة "توقيف النجل الرابع للعقيد معمر القذافي وزوجته في 15 يوليو/ تموز الماضي في جنيف، بتهمة الاعتداء على اثنين من خدمه، وهما تونسية ومغربي".
بكلمات أخرى: لأن ابن العقيد القذافي، اتُّهم بضرب خادمين لديه، في واقعة تدخلت فيها شرطة كانتون جنيف، تحولت كل "مؤسسات الدولة الليبية" إلى أداة تُجيَّر "لحفظ ماء وجه" الابن الغاضب.
"كيف يقبضون علي، وأنا ابن السلطان؟"،
وابن السلطان ليست له صفة خارقة، سوى إنه ابن السلطان.
مؤسسات الدولة تتحكم فيها أسرة، يتنازع أفرادها في صراع أجنحة، فتقرر "الدولة" في ظرف ساعات، أن "تتخذ قراراً سياديا" كي تحسم الصراع بين أبناء الزعيم!
ولذا قررت ليبيا "مرة أخرى" تعليق تسليمها النفط لسويسرا.
كأنها طفل يلعب بحلواه: "سأعطيك هذه القطعة إذا قلت لي أسف".
طفل يضرب بقدمه على الأرض، ويحرن.
"قل لي: آسف، وإلا والله لن أعطيك من حلواي!".
ولأن سويسرا دولة، تتعامل بمنطق الدول العريقة في مؤسساتها، فإنها لا تفهم كيف يلعب الأطفال في علاقات الدول، لا تفهم "منطق هذه اللعبة".
لا تفهمها.
بالنسبة لها ما حدث كان أمراً يتعلق بواقعة قضائية.
شخص، بغض النظر عن طبيعة هذا الشخص، اتُّهم بالاعتداء على اثنين من خدمه.
شرطة كانتون جنيف اتخذت الأجراء الطبيعي في مثل هذه الحالة.
قبضت عليه.
فالبشر هنا سواسية أمام القانون، ليسوا آلهة جُبلوا من طينة سماوية سلطانية.
ولم يكن لذلك فيما فعلته الشرطة السويسرية ما يثير الاستغراب.
وزيادة في الحرص، تشكلت لجنة تقصي سويسرية، عمدت إلى دراسة وقائع ما حدث، وأكدت أن إجراء شرطة كانتون جنيف كان مستوفيا الشروط القانونية.
لم تتجاوز شرطة كانتون جنيف صلاحياتها.
وأظنني لا أبالغ إن قلت إن السلطات السويسرية تمنت في قرارة نفسها لو تتوصل لجنة تقصي الحقائق إلى نتيجة أخرى، لعلها تمنت أن تكتشف اللجنة أن شرطة كانتون جنيف تمادت في إجراءاتها، أنها انتهكت قانوناً أو إجراءً. تمنت ذلك في قرارة نفسها كي تنهي أزمة دبلوماسية تثير السخرية بقدر ما هي مثيرة للإزعاج.
لكن اللجنة توصلت إلى نتيجة أخرى.
فسقط في يد السلطات السويسرية. لأنها دولة تمارس فيها مؤسساتها دورها، لا يتحكم فيها فرد، أو أسرة.
لكن ليبيا، أو بالأحرى بعض أفراد الأسرة المالكة يصر على "تقديم الاعتذار".
اعتذار على ماذا ياجماعة الخير؟
من الذي ضرب هنا؟
لكنه منطق القوة، القوة المطلقة، تضرب، ثم تبكي، ثم تشتكي، ثم تعاقب.
ولأنه منطق لا عقل فيه، تقرر "الدولة" أن تسحب مليارات من البنوك السويسرية.
ولم ينتبه من اتخذ القرار إلى أن السؤال البريء الذي سيعقب الإجراء: "مليارات مَنْ التي تسحبها السلطات الليبية؟".
تمنيت فعلا أن تكون مليارات الدولة الليبية، لا مليارات من يملك الدولة الليبية.
وسويسرا؟
تهز رأسها حائرة.
لا تفهم كيف يلعب الأطفال في علاقات الدول.
ثم لا تفهم "منطق هذه اللعبة".
وتكرر، من جديد: "لن تؤذي ليبيا سوى مصالحها".
 هناك بالفعل شيء مخيف في السلطة، عندما تصبح مطلقة.
[email protected]