اليمن: كم الساعة؟

يحرجني جداً أن يكون شأن اليمن اليوم كشأن غبي المثل الصيني الذي «يشار له بالأصبع إلى القمر، فيتطلع إلى الأصبع ويهمل القمر، فيقصر عملية المشاهدة على تفصيل من تفاصيلها نافل أو جزئي لا يعتد به، عديم الجدوى، والدلالة» بحسب صالح بشير («الحياة» 12 أكتوبر).
والمحرج أكثر أن تتكرس اليمن كشيء يدعو إلى التندر على قدميه اضطربت أدلتها، والضحك على حداثة مستضافة من قبل القيامة.
المزعج أيضاً أن تتكرس اليمن كشيء مثير للضحك و«ملطشة» يستخف بها الناس في الداخل والخارج، ويجتمع عليها الفرقاء تصغيراً وتحقيراً وعلى خط الاكتفاء بتقديرها في حدود ما تستحق أية مستحاثة حضورية ومتحف ينبغي أن يعترف العالم بأنه تأخر كثيراً في تداركه بسور يليق بمقام محتوياته من الكائنات النادرة، الغريبة، والقادرة على المزاوجة بين حمار وهاتف «سيار» ورقصة حرب «البرع» وديسكو، بإقامة معتبرة بشتى المفارقات في أرشيف منحوت برأس رمح القبيلة، العصابة، ومؤثث بحيثيات «جنبية»: خنجر راجل! ولن ننزلق إلى السؤال عن أسلوب عيش هذا الخنجر المتحرك: اليماني.
ذاك لأن المحرج والمزعج، بل والمؤرق، يكمن في أن صورة اليمن تنمذجت بتصورات وأحكام قطعت بانتمائها إلى عالم الكذبة والخرافة.
فهي (أي اليمن الرسمية خصوصاً) تصرح بمعاناتها من اختراق شبكات استخبارية إسرائيلية، رد عليها المصدر الاسرائيلي باستخفاف دون أن يردف: أين تقع اليمن؟ وكم ساعتها؟
وهي (اليمن طبعاً) تحاكم الشبكة الاسرائيلية، والشبكة الايرانية، والشبكات السعودية على افتراض أن تنظيم «القاعدة» ومشتقاته من الصادرات السعودية.. وتتحول إلى محكمة شاسعة، مقنعة بأنها لا تستطيع مبارحة موقع محكمة التفتيش ودولة السلطة القامعة، الامنية، المرتاعة والهذيانية.
المهم أن دولة السلطة في اليمن والناطق الرسمي المتحدث باسمها أكان أمنياً، سياسياً، أم أكاديمياً، من الداخلية أم من المالية، ينبغي أن يكف عن احراج وازعاج وقتل السكان في هذه البلاد من الخجل نيابة عن سلطة لا تقصد ما تقول، وتلوك كلمات: الجمهورية والوحدة والتعددية والديمقراطية، وهي منغمسة في العكس تماماً، ولا تبارح موقعها في الاغتذاء على الانقسام، والتعيش على «شعب يمني» متشرذم إلى اقوام، جماعات، قبائل، عشائر، متقابلة، متقاتلة لا يجمع بينها سوى الاقتتال والانفصال، ويقال أنها (الوحدة) لمنفعة الحاكم وعائلة الحكم.
والمؤكد أن «النظام» الحاكم لم ينجز غير «الفضيحة» إلى الدرجة التي لم يعد فيها وكيل وزارة المالية وهو أكاديمي، قادراً على تلافي اعتباطه عندما قال إن اليمن لن تتأثر من الاعصار الذي ضرب الاقتصاد الامريكي، وانداحت تداعياته لتعصف بأوروبا الغربية واليابان، والعالم بأسره.
وكأن اليمن تقع في كوكب آخر، أو جماد لا يؤثر ولا يتأثر اذا ما جاز التصديق بالتوصيفات القرانية والكيانية، وكأن هذا الذي يحكم اليمن يستلذ بالاقامة في الاصبع ولا يرى إلى أبعد منه لمجرد أن الرؤية البعيدة تشوشه وتربشه.
وكأن ما يحدث تنقصه السينما وما بعدها ويحتاج إلى المزيد من الدعاء للسماء بأن تصيب المصدر الرسمي بالخرس وتكف عنا أوزار الحياء، بعد أن أتلفتنا أوزار الفساد والفوضى والاستبداد ولم يعد بمقدورنا تحمل الاستفزاز العدواني لتصريحات الاستيلاء والاستغناء والحمق الفائض.
mansoorhaelMail