القباطي: 35 سنة بين قسمي النسيج والصيانة إلى جانب 12 سنة إضافي بدون راتب «خلاص.. ضاع الجمل بما حمل» عبارة يرددها عبده القباطي وهو يطالع ما تبقى من مصنع الغزل والنسيج

تتضارب قدماه وهما تحملان جسده الستيني، الذي يرتدي حماسة شاب ديناميكي أضعفت آماله التحديثات الصورية للمصنع وأركنته إلى جوار بوابته.
لا تمر ساعة إلا و يمر معها خيال «عبده سالم القباطي» إن لم يكن جسده على كافة أقسام المصنع عله يجد التجديد الذي أخبر عنه، لكنه في كل مرة ومنذ 4 سنوات لم يجد سوى الحطام فيعود خائباً ومثقلاً بالحسرات والكرب.
صباح الاثنين الفائت، وقف العم عبده، كعادته، أمام بوابة المصنع يشاهد الخراب الذي لحق به قائلاً بتنهد: «آه.. آه! ضيعنا عمرنا فيه ودفنَّا مستقبلنا وآمالنا بداخله وذلحين خرابة ودمار..».
يشعر عبده سالم بالضياع وبأنه أصبح تائهاً بعد أن دمرت الحكومة أهدافه في الحياة «بقرارها توقيف المصنع»، فمن حينها وهو لا يعرف ماذا يعمل؛ ولهذا فقد اعتبر ذلك قراراً فاشلاً ومحبطاً، أعاق العمال وعرض بهم. فرواتبهم شحيحة واساليب التنكيل بهم كثيرة وبدأ في ذكر أهمها قائلاً: «يستلموا رواتب كل 3 أشهر وما يدوه إلا بعد صياح وملاحقة».
35 سنة هو العمر الذي أمضاه الرجل في العمل متنقلاً في قسمي النسيج والصيانة. وقد بدأ رحلته في العمل من قسم النسيج الذي كان ينتج كميات هائلة تفوق 45 ألف ياردة في اليوم «ب400 مكنة نسيج صيني فقط»، حيث كانت أزهى مدة عاصرها وهي فترة السبعينيات، حينها لم يقتصر الاهتمام بالانتاج فقط، بل وصيانة الآلات واعطاء حقوق العمال، وقد حصلوا على أفضل الامتيازات والمكافآت التي يعتبرها أفضل من «المعاش»، غير أن هذه الامتيازات لم تدم طويلاً فقد بدأت في التضاؤل والإنخفاض منذ مطلع الثمانينيات.
لم يعد القباطي واعياً بما يدور من حوله، لكنه بدا شديد الحزن والأسى على المصير السيئ الذي ينتظر حياة 1500 عامل، واصفاً حالهم في هذه الفترة بقوله: «أصبحنا الآن كالغنم بلا راعي وكمجموعة مهمشة لا حياة لها».
لقد تعلم الرجل من الصينيين الكثير في كل محتويات المصنع: فغرسوا في نفسه حب العمل؛ فأصبحت سمة يتصف بها حتى بعد أن غادروا، كما اكتسب منهم فن الصيانة فأصبحت لديه مهارة عالية وخبرة لا تضاهى في هذا المجال فانتقل إلى هذا القسم الذي أحبه، لكنه طور مهارته المكتسبة بدراسة 5 سنوات في المدرسة الفنية»، إلا أن معايير الترقيات في بلادنا لا توجد ويشكو بأن العالم والمتعلم في اليمن سواء».
ويتكبد العم عبده وعيناه تمتلئان بالدمع لينتقد وطن خدمه 50 سنة قائلاً: «بالله عليك تخدم 50 سنة ولا تحصل لا بيت ولا سكن».
ويتذكر عمله لساعات إضافية بلا مقابل قائلاً: «كنت أبكر من الساعة 6 وبزيادة ساعتين على البقية ولو حسبتها في السنة 720 ساعة وهذه لمدة 35 سنة تطلع فوقها 12 سنة إضافي وبلا مقابل». موضحاً أن راتبه لم يتجاوز 30 ألف ريال حتى الآن.
لم تجد أعمال طوال هذه السنوات فهو يصارع كي يتمكن من إعطاء شيء لبناته الثلاث. ويقول في ذلك: «البنات بندرسهم لاني ما قدرت اقدم لهم اكثر من هذا».
الوضع المادي الذي يعيشه مقرف؛ فهو لم يزر قريته منذ عشر سنوات ويبقى مترقباً عودة العمل في المصنع ليمارس مهامه في قسم الصيانة الذي ألفه كثيراً واشتاق إلى العمل فيه.
halajamrhMail