إشارة المحمدي.. أبعد من «أصابع اسرائيل»

إشارة المحمدي.. أبعد من «أصابع اسرائيل» - منصور هائل

تقمصت دور المحامي لمجرد أني كنت في الطريق إلى محكمة جنوب غرب أمانة العاصمة صباح أمس، وذهبت أسأل المعارض السياسي البارز الذي أشار إلى تورط أصابع اسرائيل في تحريك «الحراك» في المحافظات الجنوبية عن لائحة الأسانيد والأدلة التي يمتلكها، أو حتى عن امتلاكه لصورة بصمات أصابع لإسرائيل. ليؤكد ضلوعها في تحريك «الحراك»؟
لم أكن في وارد الانشغال بمساءلة معارض سياسي كبير، لو لم أكن في الطريق إلى المحكمة أولاً، ولو لم افتتح صباحي بتصفح أسبوعية «الغد» التي تعودتها مع قهوة صباح كل ثلاثاء.
وفي عدد الأمس تقصدت «الغد» لفت الأنظار إلى المقابلة الضافية التي أجرتها مع الناطق الرسمي باسم أحزاب اللقاء «المشترك» بإبراز عنوان مثير يشير إلى تورط اصابع إسرائيل في الجنوب.
اكتفيت بتصفح عناوين الصحيفة وأرجأت قراءة المقابلة إلى حين الانتهاء من جلسة المحاكمة التي اعتزمت حضورها بقصد إسقاط واجب التضامن مع الصديق والزميل العزيز سامي غالب رئيس تحرير «النداء».
والحال أني سعدت بعد انفراط الجلسة وخرجت من جلسة محاكمة «النداء» بدرس جديد ومفيد لفتني إليه المحامي البارع الاستاذ نبيل المحمدي الذي تحيرت، في البدء، من أمر إنشغاله بتأمين سلامة اجراءات المحاكمة وضبط بعض الجوانب الفنية التقنية التي لم يخطر بحسباني ان مسار القضية سوف يتقرر تبعاً لمستوى التعاطي مع تلك الاسئلة التي طرحها بشأن صحيفة الاتهام المرفوعة من قبل النيابة على الصحيفة. فهو طالب بتحديد وضبط التهمة الموجهة للصحيفة: أهي تهمة السب أم الاهانة؟
وشدد على ضرورة تحديد هوية الشاكي المجني عليه المزعوم بصورة لا تحتمل اللبس وتفيد بوضوح فيما إذا كان جهة اعتبارية أو شخصية.
وزاد أن تهمة السب تفرق عن تهمة الإهانة، كما يفترق الاتهام المرفوع من قبل جهة اعتبارية عن الاتهام المرفوع من قبل أشخاص.
وانتهز سماحة القاضي السانحة وكان في منتهى السماحة عندما أفسح المجال لممثل النيابة بإعادة قراءة وصياغة صحيفة الاتهام المرفوعة ضد «النداء» وضبطها وتدقيقها بأفق الاجابة الواضحة على اسئلة المحامي المحمدي!!
ولأني من ضحايا الإدراك المتأخر لإشارات الخبرة والمعرفة والذكاء؛ فقد أدركت، بعد انقضاء ساعات على رفع الجلسة، أني وغيري من الصحفيين وقبلنا الساسة «الرموز» في المعارضة والسلطة، نحتاج بشدة للمداومة على قاعات المحاكم لكي نكبح اندفاعنا لاطلاق الاتهامات جزافاً و خبط عشواء- ولن أقول على غرار النيابة و«ناطق المشترك».
واقتنعت أكثر بأن المداومة على جلسات المحاكم والإمعان في صحائف الاتهام وخاصة تلك المرفوعة على الصحفيين والصحف والمعارضين والانصات لمرافعات الدفاع التي تغوص في الشعاب والمنعرجات الشوكية لغابة القوانين الاخطبوطية اليمنية، وخاصة مرافعات أمثال المحمدي الذي أسرني وسرَّني سماعه صباح أمس.
واقتنعت أيضاً بأن المداومة على قاعات الدرس -المحاكم أقصد- ستشحذ لدى المرء حاسة الاحتراس اليقظ، وسوف تحمله على التفكير قبل الكلام والتفكير ألف مرة قبل رفع أصابع الاتهام في وجه أياً كان أو أي مكان... التفكير في أن الأصابع لم تخلق لتكون «أصابع اتهام» فقط وحصرياً، كما أنها ليست الفتنة ولا الشر المستطير فهي أدوات للتفكير والتدبير وأعضاء متقدمة للدماغ، ولا يجوز بالمرة إلحاقها بأساطير دولة إسرائيل التي يتوهم بعضهم أن أصابعها وراء كل حركة و تحرَّك كل «حراك» وكأنها تحتكر حق تحريك كل تلك الأشياء والأمور التي لا نستطيع تعقل أسئلتها.
mansoorhaelMail