سياسة تحت درجة الصفر

سياسة تحت درجة الصفر - منصور هائل

يختنق حيز السياسة وينعدم بالمرة عندما تبلغ حدة الاستقطاب الثنائي نقطة اللاعودة.
ومعلوم أن حرب صيف 1994 اندلعت على خلفية مصادرة المنطقة الوسطى حيث يتنفس حيز السياسة على أرض الحوار المفتوحة لاحتضان التعايش والتداول والتبادل.
كذلك كان الحال في13 يناير 1986 في عدن، وفي أغسطس 1968 بصنعاء، وفي كل محطات و«منعطفات» الاحتدام وانتكاس الرؤوس وارتفاع النعال ولعلعة انفجارات القنابل والرصاص والألغام والقبائل في مجرى تعويم الخراب وتمكين معطياته وعلاماته ورموزه وجنرالاته من التحكم بمقدرات البلاد والعباد.
وفي كل مرة كنا نسمع الإعلان عن وقف إطلاق النار، وإسدال الستار على المعركة و«غلق ملفات الماضي» ولكن الحرب لم تتوقف قط، ولم تنقطع خيوطها وحبالها ولم تكف عن ابتداع المزيد من الملاعب والألاعيب وفتح الجديد من القنوات، واستئناف دورات عنفها الدموية الضاربة والدافعة إلى المزيد من الإهدار، والانحدار، والحضيضية، والارتماء في حظائر مخيمات الإحتماء البدائية: العشيرة، القبيلة، الطائفة....الخ.
وحتى يأتي الثامن، من فبراير هذا العام، ليوافق الذكرى اليوبيلية الرابعة لحصار السبعين يوماً في صنعاء عام 1968، فإن كاتب هذه السطور يتصور أن الذهاب إلى ميدان السبعين للاحتفاء بانتصار الجمهوريين على الملكيين سينطوي على تعويم رصيد التفاهة وتمجيد زعامتها لحطب المرحلة الراهنة، وقود الحرب المستدامة و: «لاصوت يعلو فوق صوت البندقية»، التي ارتدت دوماً إلى صدورنا.
ربما كان من الأجدر بكل ذي عقل أن يسارع إلى خلع ضرس العقل والاحتفاء باستعادة دهشة البراءة الدرداء. بدلاً من الاحتفاء بالأشلاء والدماء، وتغذية طاحونة الاستثمار بالدماء والحروب.
وبدلاً من الاحتفاء بتقاتل الجمهوريين والملكيين الذي تمخص عن مسخ لا هو بالجمهورية ولا بالملكية. وعوضاً عن الاستثمار في منجم الحروب المأساوية الكارثية السابقة، سيكون من الأفضل الإمعان في مخلفات الحروب الكثيرة المدمرة -المستمرة- بين الجمهوريين والملكيين واليمين واليسار، والشمال والجنوب، والشوافع والزيود، وحتى آخر رمق وعرق وقطرة دم.
سيكون من الأفضل أن نمعن في مخلفات حروبنا...فينا يا هؤلاء؛ فكفوا عن الرقص فوق الأشلاء والسكر بالدماء.
mansoorhaelMail