صنعاء مدينة بدون مشائخ.. وبدون الفندم أيضاً

صنعاء مدينة بدون مشائخ.. وبدون الفندم أيضاً - علوي الباشا بن زبع

في زيارة خاطفه للعاصمة صنعاء بدت لي "كشاهد ما شاف حاجة"، فالعاصمة التي شهدت أزهى مراحل الحلف بين القبائل والعسكريين تشهد الآن انفراط عقد هذا الحلف.
لم أكن أتوقع استجابة كبيره لدعوة كنت أطلقتها في مقال سابق قبل حوالي ثلاثة أشهر دعوت فيها الإخوة مشائخ القبائل إلى الخروج من صنعاء والعودة إلى مناطقهم وقراهم بدلاً من تضييع أوقاتهم على اجتماعات ومؤتمرات في صنعاء لا يعرف عنها قومهم شيئاً في أرياف اليمن المعزولة في غالبها عن وسائل الأعلام.
 وعلى الرغم من أنني توقعت استجابة محدودة من البعض إلا أن المفاجأة كانت كبيره فقد غادر صنعاء غالبيه ساحقه من المشائخ، والفضل يعود أساسا إلى الرجل الذي يتبع الآن سياسة حرق المراحل منطلقاً من قاعدة عليَّ وعلى أعدائي.
 دوافعي في تلك الدعوة كانت واضحة وأحلامي متواضعة نريد أن يكون هؤلاء المشائخ في أوساط قبائلهم يشاركونهم أفراحهم وأحزانهم ويساهمون في إعانتهم على حل مشاكلهم ونزاعاتهم. فمن غير المعقول أن يُنظر الى المشائخ على أنهم أهل الحل والعقد وهم يتفرجون على مصائب قومهم دون أن يكلف بعضهم نفسه عناء السفر إلى قريته لمشاركه البائسين بؤسهم ولو لأسبوع في الشهر أو السنة. أضافه إلى ذلك فإني أنظر من باب الشفقة على بعض المشايخ لما يتكبدونه من خسائر جمة جراء إقامتهم في صنعاء والتي عادة تكون سببا في تدفق قبائلهم إلى العاصمة بحثاً عن حل لمشاكلهم الوظيفية وطلباتهم الخدمية التي لا يستطيعون أن يجدوالها حلاً.
من الأفضل لهؤلاء المشائخ أن يرحموا أنفسهم من "ركزت الرأس" في صنعاء بدون فائدة، والعبد لله راحم نفسه من زمان فهو لا يتذكر أنه أقام في صنعاء ثلاثة أيام متوالية إلا أيام الجامعة.
وحده الشيخ غالب الأجدع الذي يعتبر معذوراً من المغادرة فهو الذي عرفته صنعاء كأحد أعلامها الذين لم يرحلوا عنها في أحلك الظروف وخاصة في ذروة أزمة الحمدي مع المشائخ أيام الهروب الكبير.
واعترف أن احد أحلامي المتواضعة أن أرى صنعا مدينه أمنه ينام أهلها بدون أن يخاف أحد منهم على بيته أو أرضيته أو سيارته التي قد تكون معرضه للسطو من قبل السرق أو النهابين أو" فرغ" القبائل أو متنفذي الدولة، فكم هي صنعاء محببة إلى قلبي وقلب كل إنسان. وتخيل معي زمان روعة وطيبة قلوب أهلها الحقيقيين وليس الوافدين إليها من مناطق اليمن الأخرى إذ لا يجوز أن يحكم على طيبة ووداعة أهل صنعاء إلا من عايشهم قبل مائه سنه تقريباً، وتحديداً منذ ما قبل إطلاق المقولة الصنعانية الشهيرة: "أنهبوا بنظام".
هذه المدينة المنحوسة لم يرحمها القدر منذ أن اجتاحتها جيوش القبائل بعد 1948م ولا داعي لذكر أسماء القبائل التي دخلت صنعاء يومها فهناك قبائل أخرى كانت محايدة ولم تشارك في الحدث ولكن الحسنة تخص والسيئة تعم.
كم هي صنعاء وأهلها الطيبين المساكين بحاجة إلى استراحة محارب، فما رأيكم أن نتفق على أن نعطيها فتره راحة محدودة لأربعه أشهر على الأقل نتركها تنام بهدوء وتصحو كما ينبغي. وهذا يحتاج، علاوة على منع السلاح، إلى أن يغادرها "النخاطين" من أبناء المشائخ والمتغطرسين من أبناء القوات المسلحة والأمن المركزي فمن مصلحه صنعاء أن تستريح قليلاً ومن واجب المشائخ ان يستذكروا عك البلاد و "وبرزات الغرامة".
كذلك فإن من حق عدن الحالمة حاضنه الثورة والإبداع في زمن التسلط والاستعمار أن يقيم فيها الرئيس طويلاً، خاصة إذا كانت إقامته هناك منصبة بجد على إعادة حقوق الناس المسلوبة إلى أصحابها، مع أنني لا أعتقد أن إعادة الحقوق مسألة متيسرة فالتركة ثقيلة والمعالجات تحتاج جهداً كبيراً وزمناً أكبر. ولا ندري ماإذا كانت الإقامة كافيه لمعالجه الأوضاع في المحافظات الجنوبية والشرقية أو أن الرئيس قد يجد نفسه أمام خيارات صعبة للحفاظ على الوحدة الخيارات المتوقعة تحتاج وفاقاًَ وطنياً وجهداً شاملاً لمواجهتها قبل فوات الأوان.
على خلفيه قرار منع السلاح، المخالف للقانون طبعاً، وأغلب المشايخ و كثير من أعضاء مجلسي النواب والشورى ومن قياده الجيش (المركونيين بلا عمل) وقاده الأحزاب في المعارضة الذين يتوجسون خيفة من أن قرار المنع هذا يستهدف كشف ظهورهم أمنياً لتسهل مهمة تصفيتهم جسدياً بسبب أو بأخر. لم نكن ممن أيدوا قرار منع حمل السلاح لأنه قرار غير قانوني فقانون حمل وحيازة السلاح المقر من ممثلي الشعب جُمِّد بدون قانون بديل أو تعديل قانوني عبر البرلمان، ويجري الآن العمل باللائحة التي خرجت على نصوص القانون بدون سند قانوني ورغم هذا الموقف الذي نتمسك به احتراماً للقانون والبرلمان معاً، إلا أننا نحترم مقاصد هذا القرار المعلنة إذا جاء عبر البرلمان وطبَّق على الجميع دون تمييز، والأهم من ذلك، لا يمكن أن يثق الناس بإجراءات من هذا النوع إلا إذا استطاعت الدولة أن تمنع القتل في صنعاء فحينما تستطيع الدولة أن تأتي بمن يقتل في العواصم وتقوم بإعدامه دون النظر إلى دوافعه، عندها سيعترف الجميع بأن هناك أمن وهناك دولة رادعة تستطيع يدها أن تطال المجرم أينما كان أما أن تنفذ عمليات قتل في وضح النهار في العاصمة باسم الثأر وبعد صدور قرار منع السلاح بأيام عدة دون أن تحرك الدولة ساكنا فهذا يعني أن أضرار مخاطر منع السلاح أكبر من فوائده، ويتحول من قرار لمنع الجريمة والفوضى إلى تسهيل مهمة المجرمين والسرق الذين كانوا يعملون ألف حساب للجريمة قبل ارتكابها خوفاً من وجود السلاح لدى المستهدفين.
 
بالمناسبة
بالتأكيد فإن كثيرين من المشائخ الذين عاصروا الرئيس الحمدي (سيدركون) كم ظلموا الرجل في مواقفهم حياً وظلموه في مذكراتهم ميتاً، وأصدق ما قالوا عنه انه كان "صديق مرغوبـ" حينها لدى الجيران الأشقاء في المملكة العربية السعودية على عكس ما كان يشاع.
 
سلامات أبا جمال
قرأت للتو خبراً في صحيفة الأيام يشير إلى تعرض الرئيس على ناصر محمد لمحاوله اغتيال في قاهرة المعز. الخبر كبير والمستهدف كبير والمكان كبير وسبحان الكبير المتعال، وبصراحة فإن استهداف رجل بمكانة علي ناصر من أية جهة كانت -لو حدث- كارثة حقيقية، فالرجل أعقل وأذكى وأنزه حاكم عربي من السابقين ممن غادر كرسي الرئاسة وما يزال حياً، والحوار معه أجدى من إزاحته، وسلامات أبا جمال، ما تشوف شر إن شاء الله.
[email protected]