في الطريق إلى صعدة.. محافظة تبتعد كل يوم

في الطريق إلى صعدة.. محافظة تبتعد كل يوم - محمد الظاهري

تضاعف الوقت الذي تحتاجه للوصول إلى صعدة، 240 كم شمالي صنعاء، لأكثر من سبب، تحتاج اليوم ست ساعات بدلا من ثلاث. وترتفع احتمالات تعرض سيارتك للعطب ما لم تكن من سيارات الدفع الرباعي ويفصلها عن الأرض 40 سم على الأقل، وحياتك أيضا.
طريق مدمر، بقايا الإسفلت القديم أسوأ من الأجزاء غير المسفلتة، ونقاط تفتيش قبلية، وأكثر من 170 مطباً مزروعة حتى في الأجزاء المعبدة حديثا، معظمها في "سفيان"، وجدت لأكثر من سبب أهمها السطو، وغياب سلطة الدولة.
قرابة أربع سنوات منذ أعلن عن توسعة الطريق بين العاصمة وواحدة كانت بين أنشط المحافظات اقتصاديا، وأحد أهم مصادر المنتجات الزراعية، إلا أن ما أنجز لا يتجاوز 30 في المائة من الطريق، وما أنجز ليس أفضل حالا من الجزء القديم، وليس هذا كل شيء.
الطريق بين صنعاء وصعدة أحدى الطرق التي شقت وعبدت قبل أكثر من 50 عاما، ويحكى أن الإمام أحمد عندما نظر في تكاليفها قال للشركة الصينية: "لفوا بساطكم وعودوا من حيث أتيتم". ويحكى أيضا أن مسؤول الشركة يومها مات من القهر.
ما لا يحكى أن الشركة الصينية لم تستغرق، قبل 50 عاما في شق الطريق من لا شيء وتعبيده، نصف المدة التي انقضت منذ إعلان بدء توسعة وترميم الطريق المهترئ من قبل المؤسسة العامة للطرق والجسور وبتمويل سعودي يمني.
يشبه حال الطريق بين صنعاء وصعده العلاقة بين المدينتين، ففي فترة الثمانينيات ومطلع التسعينيات كان شريان حياة، وأحد أنشط الطرق، استخدم لنقل البضائع من الشمال إلى الجنوب، ونقل المنتجات الزراعية فيما بعد.
قبل أن تخسر صنعاء علاقاتها مع عواصم الخليج خصوصا الرياض في 1990، كان منفذ "علبـ" الحدودي في محافظة صعدة أحد أنشط المنافذ الحدودية، خصوصا في ذروة النهضة التنموية التي عاشها اليمن الشمالي سابقا في ثمانينيات القرن الفائت.
التسهيلات على الحدود بين اليمن والسعودية حولت سوق الطلح وسط المحافظة، إلى ما يشبه المنطقة الحرة، كانت صعدة بكلها منطقة تجارية نشطة، بالإضافة إلى أن معظم المغتربين في السعودية كانوا منها، وشكلت حوالاتهم المالية جزءاً من اقتصادها.
تحول جزء من رأس المال المتنامي في أيدي الناس، وعوائد الاغتراب وحوالات المغتربين، إلى نشاط زراعي واسع جعل من صعدة أحد أهم مصادر المنتجات الزراعية في اليمن.
بداية التدهور
بعد 1990 انحسر النشاط الاقتصادي تدريجيا، وبدأت صعدة تجلب ما تحتاجه من العاصمة ومن محافظات أخرى، لكنها بقيت مصدراً للمنتجات الزراعية، ومحطة مهمة في طريق اليمنيين العائدين من دول الخليج.
وبما أن العلاقة بين صنعاء وصعدة كانت مكتظة بالتجاهل، فإن حظ الطريق بينهما من الترميم كان الأدنى رغم الدور الذي لعبهم، وتدهورت حالته تحت وطأة ضغط لم يحلم به.
وقبل إعلان التقسيم الإداري الجديد الذي أضاف محافظة عمران بين صنعاء وصعدة، فإن معظم الطريق كان تابعا لمحافظة مهملة، أو يمر عبر منطقة واسعة ومهملة تحكمها القبيلة بكل عنفوانها، وعنفها.
(القطاعات) أحد استخدامات الطريق القبلية التي ابتكرتها قبيلة حاشد، ولدت على طريق صعدة دون غيره، وهي نقاط تفتيش قبلية تقطع الطريق للضغط على الخصوم، وتمنع سياراتهم من استخدامه، أو أخذ هذه السيارات عنوة.
وفي فترة من الفترات انتشر قطاع الطريق كرديف لغياب سلطة الدولة كلما اتجهت شمالا، وهي عصابات سطت على ناقلات تنقل النفط أو القمح تابعة لمواطنين، أو سيارات تخص رؤساء قبائل وأثرياء، وذلك للحصول على المال والغذاء.
وحين بدأ المواطنون ورجال القبائل يحتاطون أكثر بعدم استخدام الطريق ليلا، أو التحرك بشكل جماعي، أو حتى عقد اتفاقات مصالحة غير معلنة مع بعض العصابات، طالت يد قطاع الطرق ناقلات وسيارات الدولة، ثم السياح الأجانب.
إيقاف هذه العصابات تطلب جهودا كبيرة وقد قويت شوكتها، وازدادت شراستها وعدد أتباعها، واضطرت الدولة لاستخدام الجيش في أحيان كثيرة لمطاردة بعضها، كان آخرها وأقواها عصابة "علي باقي" الذي قتل في عملية عسكرية مطلع هذا العقد.
ورغم انتزاع الدولة للطريق من قطاع الطرق، إلا أن نقاط التفتيش القبلية ظلت دون حل حقيقي.
لفترة غابت بناءً على اتفاق ضمني غير معلن بين الدولة والقبيلة، إلا أنها ضلت تغيب وتظهر؛ رهنا بعلاقة طرفي الاتفاق، وبفشل سلطة القانون في الخلافات القبلية.
الحال اليوم أسوأ
وضع الطريق الآن أسوأ من أي وقت مضى، رغم إعلان بدء مشروع توسعة وتعبيد الطريق ضمن خطة لتوسعة الطرق بين المحافظات، إلا أن الأمر يتحرك "على أقل من مهله"، كما يقال.
أوكلت مؤسسة الطرق والجسور طريق صعدة إلى ثلاثة مقاولين محليين، يمكن تسميتهم فرضيا شركات. أفضل ما فعلته الشركات حتى الآن أنها دمرت ما تبقى من الطريق القديم تحت وطأت معداتها وهي تنتقل من مكان إلى آخر. وكل ما أنجزته لا يتجاوز 30 ٪_ من الطريق.
والأغرب أنه حتى الأجزاء التي نفذت من الطريق الجديد مكتظة بالمطبات، ولا يكاد يمر كيلو متر واحد دون أن تجد أحدها، خصوصا في منطقة سفيان، وكأنه أصبح "لكل رجل هناك مطبـ"، كما يلعق سائقو السيارات على الطريق.
هذه المطبات موجودة لأكثر من سبب: أمام محل صغير جدا يوجد مطب، وأمام بيت رجل قوي مطب، وأمام صاحب مزرعة قات يوجد مطب يستخدمه لبيع القات للسيارات التي تتوقف رغما عنها عنده.
أما السبب الأكثر خطورة فأشبه بالسلب، وحسب رجل مدجج بالسلاح من سفيان كان يقف بالقرب من أحد المطبات، فإن السبب "ظلم الدولة"، موضحا بأنهم لا يستطيعون الذهاب إلى صنعاء لإحضار حاجياتهم، خصوصا أنهم يرفضون التخلي عن سلاحهم.
ومنذ بدء أحداث الحوثي في صعدة -القريبة منهم- أصبح دخولها أكثر صعوبة، لذلك هم يوقفون الناقلات التي تحمل القمح والمواد الغذائية ويجبرونها على بيع ما يحتاجونه من سلع غذائية عندهم.
وشكا أحد ملاك هذه الناقلات بأن سفيان يشترون السلع منهم عنوة وبالسعر الذي يقررونه هم. وبما أن الشيء بالشيء يذكر فقد كشف السائق الذي يتردد بين صنعاء وصعدة منذ عشرين عاما جانبا آخر من حكاية الطريق.
شاحنات النقل الكبيرة تتجاوز الأوزان القانونية ما يجعلها أحد أسباب تدمير الطريق. وما يدفعهم إلى ذلك أنهم يضطرون لدفع الكثير من الإتاوات غير القانونية في نقاط التفتيش الحكومية بين المحافظات.
إنها نفس الشكوى التي قالها أحد المسؤولين في مجموعة شركات هائل سعيد أنعم ذات ندوة تناقش عوائق الاستثمار نظمتها جريدة «الأسبوع» المحلية.
وقال السائق إن الحمولة القانونية للشاحنات الكبيرة لا تتجاوز 20 طنا، لكنهم يضطرون أن يوصلوها إلى سبعين طنا على الأقل حتى لا يضطروا "لبيع أثاث منازلهم في سوق الحراج".
الجديد على الطريق بين صنعاء وصعدة هو نقاط التفتيش القبلية، أو (القطاعات)، كما تسمى محليا، والتي عادت بشكل لافت مؤخرا، فخلال الثمانية الأشهر الماضية شهد الطريق أكثر من 20 قطاعا، آخرها قطاعان في منطقة (حوث) لم تختف قبل حلول شهر رمضان.
ويبدي كثيرون تخوفهم من أن هذه القطاعات تحمل طابعا مختلفا، وأن الكثير منها لا يتعلق بأزمة بين قبائل على الطريق، أو تضطر لاستخدامه، ولا تلتزم بقطع الطريق على القبيلة المختلف معها. ما يجعلها أشبه بعمليات قطع طريق.