الجنوب.. النضال تحت ظلال 22 مايو

الجنوب.. النضال تحت ظلال 22 مايو - فضل علي مبارك

مشكلة البعض من المتابعين لمجريات الأحداث التي أفرزتها حالة الاحتقان السياسي في المحافظات الجنوبية، أن هؤلاء يتعاطون مع قشور المعطيات دون الغوص في عمق الاشياء، للخروج بتحليل منطقي وموضوعي لما يدور، وارهاصاته، إذ يقتنعون بالوقوف بسطحية على ظاهر ما يجري، وبالتالي تتكون لديهم صورة باهتة على ضوئها يصدرون أحكامهم التي تأتي خطأً، ويحمِّلون الأشياء أكثر من طاقتها.
إن ما تشهده اليوم المحافظات الجنوبية من حركة نضال سلمي بصورة وأوجه متعددة، لم يكن وليد اللحظة، أو فعلاً عابراً يمكن ان تذوي شرارته بعد حين... ولا ينبغي النظر إليه على أنه مجرد «غزوة» في «قرحة قات» اتفق اصحاب «المقيل» على تفجير شحنة غضبهم من خلالها، وسوف تزول وتنتهي بانتهاء «نشوة» القات.
إن راهن النضال السلمي الذي تتصاعد وتيرته في هذه المحافظات قد بني على أسس موضوعية/ ذاتية، تهيأت بفعل عوامل عدة وتعاظمت حتى بلغت مداها لتشكل قاعدة انطلاق واستمرارية للوصول إلى غايتها المشروعة.
واليقين أن هذه الأسس والعوامل قد تجذرت في الواقع حتى غدت فعلاً منظماً مر بمراحل عدة تكونت بداياتها بصورة عفوية جراء تراكم المعاناة التي تعددت صورها، وعدم المساواة وإذلال سلطة القانون في القضايا التي يرتبط أحد أطرافها بأبناء المحافظات الجنوبية، وكذلك موقف النظام القائم من آلاف الجنود والكوادر الذين وقفوا في صف «شرعيته» والذين لولاهم لما تحقق له «النصر» الذي بموجبه استباح الاخضر واليابس في تلك المحافظات فيما أهلها يئنون من صور الفقر والعوز، وزاد فوق ذلك ان رمى بهذا الجيش وكافأه بجزاء سنمار، بالاضافة الى الطابور العريض الذي يجري كل يوم تغذيته بآلاف أخرى من المتقاعدين العسكريين والأمنيين والمدنيين في قوائم قسرية تصدر وفق برنامج ممنهج خاص بأبناء تلك المحافظات.. ناهيك عما يقوم (به) الوافدون من المحافظات الشمالية في صورة مسؤولين، من محاولات الإذلال والتهكم والاستعلاء... وبالتأكيد أن كل هذه الأمور التي شهدتها المحافظات الجنوبية من 7 يوليو 1994 كنتاج لسطوة الدبابة التي ما تزال جاثمة ولم تعد بعد إلى ثكناتها، قد ولد لدى أبناء المحافظات الجنوبية هذا الشعور الذي ظل يتأجج في النفوس، دون البوح به لعل وعسى أن السلطة القائمة تراجع حساباتها وتكف عن غيها وتماديها في الباطل ومحاولة فرض الأمر الواقع الذي يتنافى مع أبسط القواعد التي جبل عليها شعب الجنوب المنتمي الى قواعد دولة النظام والقانون والمؤسسات، ومبادئ العدل والمساواة والتكافؤ في الفرص، والمعزز بأسس الأمن والاستقرار والعيش الكريم.
ومخطيء ثم مخطئ من يفصل واحدة من تلك العوامل او المسببات عن بعضها، أو يحجم أهداف ومطالب هذه الحشود بأنها بغرض الحصول على منصب أو قطعة أرض أو سيارة. نقول لهؤلاء إن أبعاد القضية الجنوبية قد تجاوز سقف مطالبها المطالب الشخصية إلى قضية حق مغتصب، كان ذات يوم أقر وفق مبادئ واتفاقيات جرى التوقيع والاتفاق عليها بين قيادتي الشطرين يوم 22 مايو 1990. لكن جرى الالتفاف عليها والسعي لطمسها منذ 7 يوليو 94. ومخطئ أيضاً من يربط هذا التحرك بأوهام الخارج، كشماعة يرمي عليها إخفاقاته، وكذلك محاولة البعض ربط حركة النضال السلمي بأحزاب المعارضة.
إن حقيقة الأمر تتجلى واضحة لمن أراد ان يفهم حقيقة الأمور ويقف على طبيعتها منذ بداية تكوينها.
إن ما يحدث اليوم من فعل نضالي سلمي كان نتاج فعل شعبي ولد من رحم المعاناة التي تفنن النظام في ابتداع أشكالها وألوانها لأبناء الجنوب بما ينبئ عن حالة انتقام ولولا أن السلطة ملتهية بملذاتها وتكديس ما يمكن البسط عليه من مقومات الوطن وثرواته، لكان بإمكانها احتواء هذا الفعل والقضاء عليه في مهده، ليس بقوة السلاح؛ فذاك لن يجدي نفعاً أمام إصرار الناس وقد بلغ لديهم مبلغاً، ولكن بالوقوف على أسبابه وتداعياته وتحقيق مطالب سواده الاعظم و في الأساس مطالب مشروعة أما اليوم وقد وصل إلى هذا الحد بما يؤكد أنه قد شب عن طوق التأثير والترهيب والتهديد، فإن السلطة ملزمة بالاذعان لحق الجنوب. وعندما نقول «حق الجنوب» لا نعني الانفصال أو «وهم» تقرير المصير كما يروج له البعض من رموز السلطة ليجدوا مدخلاً لقمع تنامي النضال السلمي. ولكننا نقول حق الجنوب في إعادة الاعتبار لوحدة 22 مايو والغاء وحدة 7 يوليو.. لأن الوحدة الاولى قامت على التراضي والسلم بعكس الاخرى التي فرضتها الدبابات والمدافع، وأصبح من حينها «لاصوت يعلو فوق صوت 7 يوليو» فهل تدرك السلطة ما يتوجب عليها فعله قبل أن تجد نفسها مضطرة إلى القبول بما هو اسوأ من هذه المطالب. إلا إن كانت تسعى وتريد ذلك ولكن على استحياء وتعمل على جعل الآخرين هم من يفرضونه عليها حتى تبرئ نفسها من تهمة التاريخ ولعناته.