الأديمي مشلولاً وإلى جواره اسباني يتحدث 8 لغات.. الجلطات ترسل معسرين إلى المستوصف

يبدو مستوصف السجن المركزي بصنعاء أنيقاً من الخارج وبابه مشرعاً على الدوام. له صالة على شكل (L) نظيفة وواسعة تمتد من غرفة الأطباء وتنتهي بغرفة يرقد على أسرتها 5 مصابين بالجلطات (دماغية).
وعلى يسار الداخل يقع مكتب الادارة. والى جواره عيادة اسنان متكاملة ومختبر، ومخزن صغير للأدوية. إضافة الى غرفة صغيرة أشبه بعيادة طوارئ مخصصة لضرب الإبر والمجارحة والاسعافات الأولية.
ما يقرب من 15 نزيلاً كانوا يرقدون في هذا المستوصف، عصر السبت الماضي، عندما أتيح «للنداء» زيارتهم.
هناك حالات أسعفت الى المستوصف لأول مرة، وما يصل الى العشرة عائدون من مستشفيات حكومية وأهلية. لكن تستلزم الضرورة الطبية بقاءهم في مستوصف السجن تحت إشراف ورقابة الطبيب. ويبدو السجين محمد قائد العرامي في حالة جيدة بعد أن كان في حكم الميؤوس منه.
إنه مصاب بجلطة، وجنبه الأيمن مشلول. كان جالساً على السرير ويحكي رحلة مرضه المضنية: «قبل شهرين ونصف اصبت بجلطة شديدة أدت الى نزيف داخلي وخلاص كنت باموت» ويضيف مختنقاً بالبكاء: «لكن المدير وقف معي وادى الواجب. اسعفني الى مستشفى الثورة فوراً». لحظتها كان وضعه الصحي صعباً للغاية وكان على الاطباء ادخاله غرفة العناية المركزية «رقدوني فيها شهر وما خرجت إلا وقدنا متحسن». وحاول الرجل أن ينهض للمشي ليؤكد لي تحسنه، وكان يمد الخطى بصعوبة شديدة ويده اليمنى تجتهد في مساعدة يسراه.
يستكمل الآن جرعته الطبية في مستوصف السجن تحت إشراف الطبيب خالد علي صالح الشريجة، ويداوم على الاسبرين والنتروبين. العرامي يسير في الاربعين من عمره. ومحبوس منذ 6 سنوات بتهمة قتل، وحسب مدير السجن فإن كلفة علاجه تجاوزت ال200 الف ريال. ففي المرة الأخيرة اسعف إلى مستشفى خاصة وكانت الكلفة باهضة.
والى جوار سرير هذا المريض ترتص أسرَّة أخرى، أِقربها اليه لمسن من مسور عمران (حجة سابقاً) يبدو في الثمانين من عمره ويؤكد أنه تجاوزها. هو أيضاً نصف مشلول ولكن بصورة أخف.
يدعى هذا السجين بالعم حسن عزام المسوري، وكان عبده شوعي حدثني عنه كأحد اكبر وأقدم السجناء الذين دخلوا السجن قبل أن يحل فيه ضيفاً عام 91. وتصل مدة بقائه هناك 19 عاماً.
استبدت التفاكير والهموم بعزام على امتداد عقدين في السجن. وقبل سنتين ونصف، وقد نحل جسمه وضعف عنده السمع والفؤاد وجد نفسه صريع أِلم شديد في الجمجمة، وتواً أسعف الى المستشفى الجمهوري، وبقي فيه لمدة ومنه الى الثورة: «بس ما بش فايدة» لم تتحسن صحة الرجل الكبير وتضاعف مرضه الى أن فقد جزءاً من حركة رجله ويده اليسرى ويقول قائلاً: «والله ياولدي ما نفعنى الا المستشفى السعودي الالماني خليها على الله قد أكلت 3 تنيك حبوب». وسألته عن تكاليف ونفقات المعاينة والدواء فأجاب «العلاج والفحص والكشف على حسابي والمشاوير والمواصلات وبعض التكاليف على ادارة السجن».
وطبقاً لأقواله فإن ملف قضيته أعيد من المحكمة العليا الى الابتدائية مرة أخرى. وأن الأخيرة أصدرت قراراً بالإفراج عنه بالضمان ولكن لم يُنفذ.
كل المتحلقين حوالي مصابون بمرض واحد. فإلى جانب العرامي وعزام، كان عبدالكريم الروسي، وعبدالباسط الأديمي والأخيرين كلاهما من المعسرين، وأيضاً في قائمة الحجز خارج سياق القانون.
وطبقاً لتأكيداتهما فإنه لم يصدر بحقهما حكم يقضي بالحبس كعقوبة جنائية في الحق العام. لكن الأول (الروسي) تجاوز عامه الثاني عشر في حقوق خاصة. والثاني (الأديمي) ينوء بخمس سنوات.
ويحمل عبدالكريم الروسي الجنسية الاسبانية وعدة شهادات علمية في المحاسبة والادارة والهندسة الالكترونية. وهو أحد المعسرين بحكم. وكان النائب العام -حد قوله- التقاه في السجن في اطار زيارة رسمية للجنة السجون وتفهم ظروفه الصحية والقانونية وقال أنه وعد بالإفراج عنه ما دام لديه حكم اعسار وايضاً ضمانة حضورية.
وأكد لي لحظة الزيارة انه كسب دعوى الاعسار التي تقدم بها الى القاضي المكلف. وان الضمانة المطلوبة متوفرة لديه «فقط يتكرم النائب العام ويوجه بإطلاقي» قال: أما الاديمي وهو مقاول شهير نفذ عدة مشاريع شهيرة في تعز، وهو الذي قاول حديقة الحيوان المركزية في تعز وتناقلت وسائل الاعلام الرسمية حينها خبر الافتتاح مبرزة صورته الى جنب نائب رئيس الجمهورية ورئيس مجلس النواب الشيخ الاحمر، ومسئولين آخرين رفيعي المستوى بينهم المحافظ احمد الحجري والعميد يحيى المتوكل. وعلى إثر عجز مالي وغرامة تكبدها اقتيد الاديمي الى السجن بخلاف منطوق الحكم.
لقد صرعه المرض لمرتين. قبل سنتين شل جنبه الأيمن (جلطة) واسعف فتحسنت حالته. وفي 20 اغسطس الفائت شُلَّ جانبه الايسر وعاد الورم الى دماغه.. في المرة الأخيرة اسعف الاديمي الى مستشفى الثورة العام وعملت له اشعة مقطعية وفحوصات وتخطيط قلب. ورقد لأيام هناك ثم أعيد الى السجن لكن ليكون تحت المراقبة الدائمة نظراً لصعوبة الحالة. وسألته عما اذا كان نزل اسمه في كشوفات المعسرين الذين احيلوا من النيابة العامة الى القاضي المعمري فأجاب: «نعم وأنا فقط منتظر النطق بالحكم».
في زحمة التقائي بهؤلاء السجناء ذوي المرض المشترك- كان شاباً نحيلاً يركز بإتقان ويزاحم بكلامه محاولاً عرض حالته. وحين اكملت الحديث مع زملائه استمعت اليه جيداً. اسمه ابراهيم محمد غالب الصباحي (25 سنة) من حراز يعاني من تضخم في الطحال، ويقول إنه فقير ومقطوع من الزيارات ومحكوم غيابياً ب3 سنوات بتهمة شروع في القتل.
ويضيف: «دخلوني السجن وأنا مريض وكان مقرر لي عملية. وعندما اشتد عليَّ المرض اسعفوني الى مستشفى الثورة. واخضعت للفحص والتحاليل ورقدوني يوم وبعدها قرروا لي علاج وبعدا رجعت».
وأفاد الدكتور الشريجة أن حالته تحت الملاحظة حتى تتضح جدوى فاعلية العلاج «والاَّ فتدخل جراحي وعملية» ويوضح الشريجة، وهو الطبيب المشرف على حالته أن أعراض مرض هذا السجين «تتضح من خلال الاشعة التليفزيونية أنه تضخم في الطحال بمقدار 20 سم».
عادل التام وهو أحد المعسرين كان هو الآخر طريح المرض في المستوصف ذاته، وساق رجله اليسرى ملفوف بالشاش، إذ يعاني من لسع لم يتضح للأطباء ما هيته، رغم انه اسعف الى الثورة قبل شهر ونصف. ومعلوم أن هذا المريض يحمل حكم إعسار وأمر افراج من النائب العام الى احدى نيابات الأمانة الا انه تعثر.
وفي مقابل الغرفة التي يرقد فيها مرضى الجلطات غرفة معزولة لا ينزلها سوى سجين واحد وحين سألت أحد المشرفين عن هذه الحالة قال: «هذا من المصابين بمرض معد (السل TB) وهو منفرد احترازاً من العدوى». وهناك غرف أخرى للمصابين بمثل هذه الأمراض المعدية.
ربما للمرة الأولى يتاح لصحفي أن يزور مستوصف السجن ويتمشى فيه بحرية. فيه قدراً ملحوظاً من الأهتمام تشعر أزاءه بالرضى النفسي. إنه مختلف جداً عما يشاع عنه تحتم المهنية على الصحيفة أن تقول ذلك.
صحيحاً أن داخله 15 مريضاً لكن في المقابل هناك 7 أطباء و16 من مساعديهم وأيضاً ثلاث ثلاجات لحفظ الدواء. وادارته تقطع بأن لا يدخل المستوصف دواءً مهرباً أو مزوراً.
ويؤكد الطبيب خالد علي سعد الشريجة بأن المستوصف عند اسقباله للمريض يجري عملية الفحص والمعاينة اولاً، واذا تقرر أن الحالة صعة «أو لا يوجد لدينا إمكانيات نرسله الى المستشفى فوراً، وهناك يتلقى العلاج وقد يرقد لأيام وأسابيع وبعضهم اكثر من شهر، واذا نصح الطبيب بالأشراف عليه، فحال عودته يبقى لدينا في مستوصف السجن». ويؤكد هذا الأمر اغلب المرضى الذين ينزلون فيه قابلتهم «النداء» منفردة.
هناك مرضى أسعفوا لأكثر من مرة ولأكثر من مستشفى كما في حالة الحاج حسن عزام المسوري الذي حلت به رحلة العلاج الى المستشفى الألماني السعودي في أخر مشاويرها. وأغلب المرضى الموجودين أسعفو الى خارج السجن وأكدو ذلك بأنفسهم.
يدير مستوصف السجن الدكتور محمد معياد منذ 6 سنوات. وقد التقيته وهو في ثقة من نفسه، ولم يبدي أي ممانعة من زيارة وتصوير كل غرف وعيادات المستوصف. وأكد للصحيفة أن أحد الأطباء توفى قبل مدة متأثراً من مرض خبيت أنتقل اليه بالعدوى من احد المرضى الخاضعين للعلاج وأضاف. بأنه هو الأخر يداوم على العلاج بسبب أنتقال العدوى اليه من مريض أخر. وأقسم : «صدقني .. أننا لمعالجة بعض المرض نقوم بمهمة أشبه ما تكون بالمغامرة تماماً».
ali.dhubaybaybiMail