لا سؤال مصير في يوبيله الفضي.. مؤتمر في ظل صاحبه

لا سؤال مصير في يوبيله الفضي .. مؤتمر في ظل صاحبه - سامي غالب

لاح أعضاء اللجنة الدائمة للمؤتمر الشعبي العام مهجوسين بمصير الحزب الاشتراكي، كما يشير البيان الختامي الصادر عن دورتهم الاعتيادية التي أنهت أعمالها الأحد الماضي.
كان لا فتاً في البيان الختامي تأكيد اللجنة الدائمة على أهمية مساعدة قواعد الحزب الاشتراكي و«إنقاذه من أولئك الذين يحاولون تمرير أفكارهم المأزومة عبر مراكزهم القيادية في الحزب».
والمغزى أن المؤتمر عازم على مواصلة وظيفته الاستراتيجية: استقطاب وإغراء كوادر معارضة بالانضمام إلى حزب الدولة. هذه وظيفة اعتيادية، وفي يوبيله الفضي لا يزال المؤتمر يبرق ذهباً. لم لا وخزائن الدولة مشرعة أمامه!
بعد ربع قرن لم يلحظ أعضاء اللجنة الدائمة ما قد يكون موجباً لطرح «سؤال المصير» في اجتماعهم التاريخي. وهم انشغلوا ببحث مصير الاشتراكي، وتذكير أحزاب المعارضة بأن معارضتهم مطلوبة ومقبولة «في إطار الثوابت والجمهورية والوحدة والعقيدة والشرعية الدستورية». والأربع الأخيرات معطوفات على الثوابت التي لم يسمها صائغو البيان، ومن المرجح أنهم قصدوا الرئاسة والأمن والجيش وأشياءً أخرى.
هذه «الركاكة» لا تذكِّر أعضاء اللجنة الدائمة بفضيلة التواضع، إذْ إنهم حملوا بشدة على بيان اللجنة المركزية للاشتراكي الصادر قبل بيانهم بأسبوع، وهم انتقدوا في بيان الاشتراكي «تكرار تلك اللغة الفجة واللا مسئولة عن مسائل حاولوا أن يصبغوها صبغة شطرية». والسؤال: هل أن إخفاق صائغي بيان الاشتراكي في صبغ المسائل بصبغة شطرية أمرُ يزعج صائغي بيان المؤتمر؟! ربما.
على خلاف أحزاب المعارضة، لا يؤرق سؤال المصير أعضاء اللجنة الدائمة للمؤتمر الشعبي. هذه سمة لصيقة بالتنظيم السياسي الذي خرج من رحم السلطة قبل ربع قرن. بتعبير آخر، فإنها سمة ينبوعية، ستمَّحي ساعة ينضب الينبوع، ساعة يؤذن بتغيير جوهري في بنية النظام السياسي، وبخاصة في رأسه.
يدرك صائغو بيان المؤتمر هذه الحقيقة، ولذلك فإن رأس النظام (وهو بالحتم رأسهم ورئيسهم) لا يغيب البتة في أي محور من محاور البيان. وإنْ لم تظهر هالته في فقرة ما يظهر ظله. وهو على أية حال ليس مطالباً بدور أو مهمة. ويتجلى في البيان أقرب إلي « مهندس الكون الأعظم»، و«الينبوع» الذي تخرج منه كل الخيرات. ولذلك فإن كلمته الافتتاحية محل تثمين صائغي البيان الذي يؤكد على الالتزام بترجمة ما ورد فيها من توجهات وتوجيهات في الواقع العملي (لا حظوا الإتقان في الصياغة).
إن الرئيس هو الأب والباني والمؤسس والراعي والروح القدس. وحيثما يرد اسمه فمقروناً بأفخم الأوصاف، لكأنه حاكم سلطاني.
ليس رئيس حزب هو ليتلقى نقداً أو إشارة أو تنبيه أو حتى توصية، بل راعي نعمة ومصدر كل خير ومحقق كل إنجاز. وعليه فإن على المؤتمر المليوني (نسبة إلى كتلة أعضائه الفخمة وإلى الخزائن المشرعة) أن يبلور مضامين كلمته التاريخية ويجسد توجهاته ويترجم تصوراته، وإن كان لا بد من رد فعل حيال سلوكه السياسي فلا ضير في الإشادة بجهوده.
ينطبق على المراتب الأدنى في سلم السلطة داخل المؤتمر ما ينطبق على الرئيس. مسألة بنيوية هي تحكم خطاب المؤتمر الشعبي ولجنته المركزية (الدائمة). وقد أطرى بيان المؤتمر على تقرير رئيس الحكومة ( المزعومة بأنها حكومة المؤتمر)، وعلى تقرير الأمين العام، وعلى تقرير هيئة الرقابة.
يستحيل على أي مستمع للبيان أن يلتقط نغمة نشاز أو صدى لأصوات ناقمة أو ناقدة في أي من فقراته. فالانسجام مطلق، والبساطة المذهلة تفيض إلى كل محور وزاوية، ولا تعقيد يستوجب التحليل!
بعيداً عن البطريرك والكرادلة، فإن لدى أعضاء اللجنة الدائمة ما يؤرقهم، فالبيان الختامي يحض على الاهتمام بالأنشطة الفكرية والثقافية في أوساط المؤتمر (الشعبي العام) وبما «يجسد مضامين الميثاق الوطني ومفاهيمه المتعلقة بالولاء الوطني والحرية والديمقراطية».
بعد ربع قرن تتطلع اللجنة الدائمة إلى تجسيد مضامين الميثاق الوطني الذي تخلق في بيئة معادية للحزبية، وجسَّد مُثل الحليف الاستراتيجي السابق للرئيس، الحليف الذي صار الأن التجمع اليمني للإصلاح. والإشارة إلى الميثاق الوطني ليست تجلياً حنينياً للفكرة المولّدة، عند أعضاء اللجنة الدائمة، بقدر ماهي وسيلة أداتية لإضفاء لمسة عقائدية على الأداة الانتخابية للحكم والواجهة الحداثية لمراكز القوة الحقيقية فيه. استطراداً فإن المؤتمر الشعبي العام وأسلافه ومجايليه في دول عربية أخرى، هم مخرجات أنظمة عسكرية تطلعت إلى أداة محدودة التمثيل للإرادة الشعبية. ومع مراعاة تمايز الظروف والسياقات، فإن المؤتمر الشعبي لا يسعه إلا الإخلاص- رغماً عن المقاصد النبيلة للعديد من قيادييه وكوادره- للوظيفة الأصلية الموكلة إليه: أداء دور الواجهة العصرية للحكم.
وإلى الأب الذي ينعم في ظله أعضاء اللجنة الدائمة، والحكومة المؤتمرية، لا يغفل البيان «التثمين العالي لدور القوات المسلحة والأمن (...) في التصدي للفتنة والارهاب والتمرد الذي قاده المتمرد الحوثي»، قبل أن يؤكد على أهمية مواصلة الانتشار الأمني (...) والتصدي بقوة وحزم لكل من تسؤِّل له نفسه المساس بالسيادة والوحدة الوطنية».
في البيان الختامي لا باني ولا موحد ولا قائد مسيرة إلا الأب علي عبدالله صالح.
وحده لا شريك له (كما في انجاز الوحدة) من يحق له إشراك غيره في قيادة المسيرة، ولذلك فإن اللافت في البيان ذاك الإدماغ للمؤتمر في مؤسسه، إذْ أخفق صائغو بيان المؤتمر بامتياز في تضمين فقرات من كلمة الرئيس في البيان، حيث ظهرت هذه الفقرات وكأنها من «إبداعات» الصاغة (سرقوا دون علم كلمات الرئيس). ولسوف يلاحظ أي قارئ متربص أن هذه الفقرات وحدها هي التي خلت من تبجيل الأب والتسبيح بحمده، لأنها كلماته فحسب. وفيها يغدق الرئيس (الأب) على مريديه بعضاً من صفاته. قال الرئيس إن الوطن حقق في ظله (المقصود هنا ظل المؤتمر) الكثير من المنجزات، وإن المؤتمر قاد مسيرة البناء والتطور، وحقَّق نهضة تنموية شاملة.
بعيداً عن البيان الفضي، فإن الرئيس قال أشياءً أخرى في الجلسات غير العلنية، بينها أنه خيَّر أعضاء المؤتمر من المشايخ والنقباء والعقال والعدول بين عضوية المؤتمر وعضوية مجلس التضامن (القبلي، الذي أسسة النائب المؤتمري حسين الأحمر).
وفي هذه النقطة كان الرئيس يواصل استخدامه الأداتي للمؤتمر كوسيلة ثانوية في إدارة الصراع الحقيقي على القوة مع أطراف تتنطح لمزاحمته وورثته على المستقبل.
المحقق أن المؤتمر في يوبيله الفضي محكوم بظروف ولادته وبخلود صانعيه في الحكم، ما يعفيه من سؤال المصير وقلق الوجود، فهذه قضايا ترفية محلها اجتماعات الهيئات القيادية للأحزاب المعارضة التي يطلب منه تحجيمها في الانتخابات الدورية، بعد تزويده بشتى الوسائل الفتَّاكة.
Hide Mail