بورتريه لمتاعب شخصية!

بورتريه لمتاعب شخصية! - ماجد المذحجي

الإحساس دوماً، وفي الليل، بأن هناك فجوة فارغة في صدرك يثير الكثير من الحنين الشخصي لأشياء غير محدده! تشعر بإصرار بأن هناك شيئاً ما تشتاق إليه ولا تستطيع تحديده: أنت ضعيف حينها وتحتاج إلى الكثير من التعاطف والإعفاء من أي مسؤولية. بالتأكيد ثمة دوماً ما هو مربك لشخص يتحرك في مساحة مفتوحة وعرضة للتقاطعات الشخصية والعامة، فأنت تصبح مُنهكاً تماماً بالتوقعات: موقف، رأي، التزام، مساهمه، تضامن... الخ. بالضرورة ستنخفض الحمايات الذاتية حتى الحد الأقصى، فأنت مطالب بأن تكون مكشوفاً و شفافاً، وبأقل قدر من الخصوصيات لكي لا تثير أي قدر من التأويل أو الريبة. لذلك لا يصبح الاكتئاب "ترف المبدع" المعتاد كما يقال، خصوصاً حين يصبح ملتصقاً بك بشكل متكرر، فالإحساس الدائم بمساءلة الأخرين أخلاقياً لك، وتجريدك من حقك بالأخطاء والضعف والشهوة، تحولك إلى رقيب متوتر على ذاتك. من المفترض، إذاً، أن تكون جيداً باستمرار في محيط محروس بالتوقعات والتمدح، والإقرار بالتناقضات الشخصية مؤجل فهو يُضعفك ويخفض التقدير لك!
أنت فرد يبذل جهداً مضاعفاً بالفعل لإ ثبات ما يخصه لوحده، في وسط عام ومزدحم بصوت جماعي لا يرغب بأن يقرك كما تشاء! لذلك تبدو محاولاتك للانفراد بذاتك، والتسلل الدائم إلى صمت شخصي وشرود يعفيك من الانتباه للآخرين، محاولات ضعيفة فعلاً. خصوصاً حين تفعل ذلك لحماية ما تبقى من فرديتك، والإنصات لصوتها بخوف، خشية أن تفعل ذلك يوماً ولا تجد شيئاً يخصك ويستجيب لك: حينها تصبح بأكملك صدى للأخرين وأجوفاً تماماً.
لستَ جلفاً ولكنك توشك أن تصبح كذلك حين ترى الكثير من الأوغاد يحصلون على كل شيء. لا يحتاج الأمر كثيراً لتشعر بأن من حقك أن تدير للعالم ظهرك وتخبر كل من تحب أنك قرفت من فعل ذلك: الإصرار على أن تحبهم بصمت بينما هم منشغلون بمنح مشاعرهم لمن يثيرون الضجيج ويتملقونهم بدأب! إن ذلك يولد المرارة ويشعرك بالاهانة. هل المسألة أنك أقل ذكاءاً وتحتاج للاحتراف أكثر، وتقديم صيغة شخصية منك أكثر عاطفية واندفاعاً ومرحاً. أو أن الأخرين، ممن تحب، هم أغبى مما تظن ببساطة!
التعامل مع المشاعر بشكل بارد يوشك أن يكون حلاً بالفعل. يرعبك حل كهذا، فأنت تجد نفسك بالعادة متورطاً في الآخرين. قد لاتفصح عن ذلك لهم، ولكن ذلك شيء يمكن إدراكه في تلك الأشياء التي تلمع بداخلك وأنت بقربهم. لست عاطفياً كثيراً ولكنك تتحسس تماماً انفعالات من يُقربونك منهم ومتى يشعرون بالتأذي. ذلك مُربك جداً لقرارات صارمة تقنع نفسك باستمرار بضرورة الالتزام بها: التخلص من التعاطف، وتربية أنانية شخصية تحرسك من الخيبة والإحساس المتكرر بأنهم يخذلونك.
ثمة مشكلة دوماً تتعلق بتقديرك لجهدك كما تظن، الإحساس بأن نصيبك من النتائج أقل مما تبذله لتصبح ما هي عليه. الأمر يتم على النحو التالي: ما يبذل من جهد يحظى بالثناء ولا يُغادر ما هو مقرر سلفاً من التزامات تجاهك. بين ما يتوفر من امتيازات تُمنح لمن لا يبذل جهداً بل يستطيع تسويق مداعباته وكونه أفضل افتراضاً فقط. ليس المسألة سوء نية تجاهك بالتأكيد، وتقديرك لذلك ليس له علاقة بكونك متسامحاً، فالموضوع انك أتيت متأخراً بينما الآخرون حجزوا مقاعدهم مبكراً. أنت مثقل بالأعباء وجل ما تستطيعه هو المنافسة على الصف الثاني باستمرارَ!
لا تستطيع المنافسة بسهولة لإثبات الذات بينما التقديرات محسومة سلفاً. إن الانتباه محكوم بالزمن ويجب عليك هنا أن تُقر إنك تأخرت فعلاً. الحصول على امتيازات، وتقدير، وفرص، مسألة متعلقة بكونك رائجاً، وهذا تفصيل لا تحكمه "جودة" أدائك. الأمر كله مرهون بتفضيلات الآخرين، وتحيزاتهم الشخصية، وعصبية الزمن مع منافسيك. فأنت لن تخطر بالبال بسهولة وهناك آخرون لديهم ذكريات يسوقونها أكثر منك.
بالتأكيد أنت بحاجة لصرامة أقل، وبحاجة فعلاً للكسل! إخفاء متاعبك في النوم حتى وقت متأخر، وإعفاء نفسك من أي مسؤولية قد تشعرك بالوهن. تحتاج أيضاً لترك الكتابة في السياسة وإيجاد حل مثالي يُبقي دماغك مهجوراً من أي وظائف متكلفة. يجب أن تعود لكتابة نصوص مطولة ولكنها تروقك شخصياً، وعليك الاعتناء بمشاعر الرضا لديك! ذلك أمر يحتاج في بعضه للمديح، وأن تخبرك فتيات جميلات بأنك جذاب وأن لديك فعلاً ما يدفعهن للاهتمام بك دون أن يلقين بالاً لكونك مرتبطاً مثلاً. تفاصيل كهذه تحتاج إلى قليل من الترف، ومزاج متخفف من الحسابات. بالطبع أيضاً ستحتاج إلى نقود لا تُنفق في الاحتياجات الضرورية فقط، تلك التي تتهدم أمامها باستمرار، بل تُنفق لإرضاء رغباتك ودون إحساس بأي مسؤولية. النزوات تجعل الحياة ممكنه وأكثر احتمالاً، وأنت تحتاج إلى التأكد من أن ذلك ممكن فعلاً. إن مواجهة الأيام بتجهم مستمر لن يؤدي لشيء سوى إصابتك في العمق بالتلف.
maged