شيطان التفاصيل يلاحق آمال السلام في صعدة

شيطان التفاصيل يلاحق آمال السلام في صعدة - محمد الغباري

لم ينته أمل السلام بتاتاً في محافظة صعدة بإنسحاب الفريق القطري المشارك في اللجنة المكلفة بالإشراف على تنفيذ بنود اتفاق وقف إطلاق النار بين قوات الجيش وأتباع الحوثي، إذ أن ما أنجز يتعدى نسبة التسعين في المائة من المشكلة.
شيطان التفاصيل كان متربصاً بالاتفاق الذي أُبرم برعاية قطرية، بعد مواجهات متقطعة دامت نحو أربعة أعوام. لكن غياب الرغبة الكاملة في إنهاء الحرب المدمرة عبر اتفاق مصالحة عزز من حضوره وقوته. وعلى مدى أكثر من شهر حققت اللجنة تقدماً ملحوظاً في تنفيذ البند الرئيسي في الاتفاق، والخاص بنزول أتباع الحوثي من مواقعهم، وتسليم أسلحتهم للدولة؛ إذ أن نحو 86٪_ من تلك المواقع باتت الآن في قبضة الجيش النظامي، وأصبح من الممكن القول أن الدولة تبسط سيطرتها على كل المرافق في المحافظة.
الرغبة الواضحة للرئيس علي عبدالله صالح في إنجاح الاتفاق، وعدم السماح بتجدد المواجهات، قوبلت برغبة مماثلة من عبدالملك الحوثي، قائد المسلحين الموالين له ولوالده. وظهر أن بعض التفاصيل ما تزال قادرة على مقاومة هذه الرغبات، مسنودة بحنق بعض القادة العسكريين وأطراف  في السلطة، تتهم بتحريض القبائل على المغادرين لمواقعهم، وتحويل المواجهة إلى قضية ثأر، قد تعصف بأسابيع الاستقرار الأمني الذي تعيشه المحافظة.
اللجنة التي أسميت بالرئاسية تلقت أمس توجيهات بالبقاء في صعدة، فيما غادر المقدم ناصر العطية، مدير مكتب أمير دولة قطر صنعاء، إلى الدوحة مع رفيقية، في مهمة قيل انها للتشاور، لكن الخلاف حول إخلاء موقعين لاتباع الحوثي ما زال معلقاً، وقد حمل مسؤولية انسحاب الوفد القطري، إلا أن عبدالملك الحوثي لم يعلن على الأمر حتى البارحة.
مصادر مقربة من المقاتلين الحوثيين قالت إن قائدهم وجه خطاباً للجنة الوسطاء أبلغهم فيه مطالبته للجنة بإنهاء ما قال إنه حصار مطبق على أتباعه في مديرية حيدان بمحافظة صعدة، ومديرية وشحة بمحافظة حجة، ويتهم فيه مناصرين للسلطات ذكر أنهم منعوا عن هاتين المنطقتين الامدادات الغذائية والأدوية.
الرسالة التي اعتبرت شروطاً جديدة لاتباع الحوثي طالبت أيضاً بإخراج الجيش من المساكن والمزارع في آل عمار، قبل الحديث عن إخلاء موقع جبل عزان الذي يتحكم في الممر الرئيسي لمنطقي «مطرة» و«النقعة» اللتين اتفق على أن يتجمع فيها أتباع الحوثي الذي لم يتمكنوا من العودة إلى مناطقهم بسبب خلافات قبلية او لتهدم منازلهم، وهما المنطقتان اللتان يقيم فيهما القادة البارزون للجماعة منذ نهاية الحرب الثانية وتحديداً عبدالملك الحوثي ووالده بدر الدين ورفيقهم المخلص عبدالله عيضة الرزامي.
ووفق رواية مصادر في اللجنة الرئاسية فإن قادة الجيش يرفضون مطالب الحوثيين بإخلاء المزارع وبعض القرى في منطقة آل عمار، استناداً إلى ما قيل أنها مخططات لأتباع الحوثي لإعادة تفجير المواجهة، من خلال هذه المنطقة التي كانت منطلقاً للمواجهة الأخيرة.
ومع عودة الخطاب الهجومي للإعلام الحكومي على أتباع الحوثي مع انسحاب الوفد القطري والإعلان عن اعتزام السلطات إحالة عدد من المتهمين للمحاكمة بتهمة تشكيل «خلية ارهابية» تسببت في إغتيال أحد الضباط، فإن مصادر سياسية ترى في ذلك مقدمة لإنفراجة أخرى تؤدي إلى طي الخلاف حول النقاط العالقة، استناداً إلى ما حدث في الأسبوعين الماضيين، حين كانت اللجنة قد قررت العودة إلى صنعاء، إذ أعقبها انسحاب الحوثيين من غالبية كبيرة من مواقعهم. كما قاموا بإطلاق سراح نحو مائة من أفراد الجيش الذين كانوا محتجزين لديهم. وتذهب هذه المصادر إلى القول أن الوفد القطري سيعود خلال ايام لإكمال مهمته.
غير أن الوسائط المقربة من مراكز القرار تتداول رواية مغايرة، مفادها أن انسحاب الفريق القطري يهدف أساساً إلى امتصاص الغضب السعودي من الدور الذي تلعبه الدوحة، وتقديمهم أمام الرأي العام المحلي والخارجي على أنهم حققوا نجاحاً لم يستطع على فعله آخرون.
واتكاءً على هذه الرواية، فإن الرئيس صالح سيتولى إدارة المفاوضات المتصلة ببقية بنود الاتفاق، ليعطي انطباعاً للآخرين أن الأمر شأن محلي, وأنه الأقدر على التعامل معه.
malghobariMail