صنعاء 19C امطار خفيفة

المرأة في الحضارة اليمنية القديمة

المرأة في الحضارة اليمنية القديمة
من أجمل ما قرأت عن المرأة اليمنية في دراسة أكاديمية تستند إلى النقوش واللوحات ، وخط المسند والزبور ،وهو كما قال الباحث بحق أول دراسة أكاديمية تناولت دور المرأة  ، ويدعو الباحث الدارسين للعمل على توجيه جهودهم نحوها ، وكقارىء أتمنى على الباحث الدكتور فيصل أمين ان يواصل دراسة وضع المرأة اليمنية والعربية في (( الجاهلية )) في جنوب الجزيرة ، والعصر الإسلامي ، وعصر النهضة . يقع الكتاب في ٣٥٦ صفحة مزدانه باللوحات التي تأخذ مساحة من الكتاب إلى جانب المصادر والمراجع .
صدر الكتاب عن مؤسسة أروقة للدراسات والترجمة والنشر . بعد الإهداء تصدير للدكتور على حمود السمحي نائب عميد كلية الآداب للشؤون الأكاديمية،  يتضمن اشادة بالباحث والبحث،  يشتمل الكتاب على مقدمة ، وتمهيد وخمسة فصول ، وتحت كل فصل عناوين كثيرة ، يدرس في المقدمة أسباب اختيار الموضوع ، ومنهج الدراسة ، وتقسيم البحث ، ومواضيع الفصول الخمسة .
التمهيد
يتناول التمهيد منطقة الشرق الأدنى كمركز حضاري ، مركز الحضارات الأولى ، والجزيرة العربية جزء منها ، ويأتي على تقسيم الجزيرة العربية ، ونشأة الأسرة ، والمدينة ، وتغلب القبيلة الأقوى على ما سواها ، ومن ثم ظهور الكيانات السياسية ووجود المجالس الإستشارية الموصوفة بالملأ كما في القرآن .
ويعتبر الطريق التجاري العامل الأساس للإزدهار ، ويذكر السلع المتجر بها ، وتعتبر مكة الحد الفاصل بين الشمال والجنوب وهو ما يطلق عليه (( اليمن )) ، ويناقش وسائل النقل ، وهدية ملكة سبأ لسليمان ، والصلات مع مصر ، وتحول التجارة البرية الى بحرية ، ويتناول الدول التي نشأت في اليمن القديم ، وصراعاتها وازدهار النشاط التجاري،  والتدخل الحبشي ، وصراع حمير وسبأ ، وصراع اليهودية والمسيحية ، ويرى ان اعتناق اليهودية كان ردا على الحبشة ، وثورة سيف بن ذي يزن ، ودخول الفرس .
الفصل الأول يتناول الدور الإجتماعي للمرأة ، ويوثق ان أقدم الشواهد للعصر القديم يعود إلى ١٣٠٠٠٠٠ - ١١٠٠٠٠٠ مستندا الى ما تم العثور عليه في كهف القزة (( حضرموت )) بواسطة تنقيب اليمن والبعثة الروسية ، والى وجود مواقع للعصر الحجري في قاع جهران ، واكتشاف للبعثة الفرنسية تعود لعصور ما قبل التاريخ. كما يدرس دور البعثات الروسية والفرنسية والأمريكية ، ويشير الى صعوبة دراسة دور المرأة من الناحية الإجتماعية في عصور ما قبل التاريخ في اليمن القديم  ، ويدرس المشاعية العشائرية البدائية ، والقيمة العلمية ان الباحث يدرس المشاعية من واقع اليمن ، ومن الأدلة الواقعية ، وليس بالإستعارة من النظريات الكونية العامة ، يدرس حالة الزواج بين افراد المجموعة الواحدة ، ويخلص الى القول (( ان المرأة والرجل بدآ حياتهما بصورة مشاعية ، وتعرض المرأة للأمراض والمخاطر بسبب الحمل والولادة . كما يتناول الدور الإقتصادي للمرأة، ويرى الصعوبة،  بسبب قلة التنقيبات الأثرية ، ويدون اشتراكهما في رسم الحيوانات على الصخور ، او نحتها على شكل تماثيل ليتمكنا من اصطيادهما ، كإعتقادهما ، ويدون مشاهد الرعي في الرسوم الصخرية ، وممارسة انسان ما قبل التاريخ ، تربية الحيوانات ، مشيرا الى تطور قوى الإنتاج ، في أواخر المشاعية بفعل تطور النسيج الإجتماعي،  وعمل الرجل والمرأة مع الغطاء النباتي،  واهتداء الرجل والمرأة الى الزراعة ، ويشير إلى محدودية المستوطنات الزراعية من هكتار إلى خمسة هكتارات ، وتوزع الأنشطة لهما ما بين الزراعة والرعي والصيد ، والتبادل التجاري ، وممارسة طحن الحبوب ، وانتشار الصناعات الفخارية .
في الدور الديني للمرأة يدلل على وجود العديد من الشواهد الدالة ، على تقديس المرأة ، وعبادتها ، وتقديس الأمومة ، وتقديس المرأة كآلهة للخصوبة في حضارات الشرق الأدنى ، ويتناول الدور السياسي للمرأة ، وحضور المعارك ، وقد تكون من اجلها ، ويأتي على ذكر ملابسها ، وحليها ، ودورها في الحياة الإجتماعية،  ويربطه ببداية التدوين عائدا به إلى أواخر الألف الثاني وبداية الألف الأول قبل الميلاد ، ويقرأ النصوص اليمنية القديمة ، في المعاملات ، والعبادات ، والمنشاءات العامة والخاصة،  والحروب ، والقبور ، كما يتناول آخر خط كتبت به اليمنية وهو خط الزبور ويعرفه بأنه خط شعبي يتميز بالترابط ، والحركة السريعة ، والتشكيل ، وكتب على اعواد من الأخشاب ، وعسيب النخل ، كما كتب على الصخور ، ويدرس ازدهار الفنون الجدارية والتماثيل .
يدرس المرأة والأسرة ، وحق الملكية والأرث ، والزواج والإنجاب ، ومراسيم الزواج ، والزواج بعدد من الأزواج والزواج من أجنبيات ، والزواج من المعبودات والأهم في هذه المباحث توثيقها او بالأحرى دراستها من واقع نصوص النقوش ولعل أهم ما لفتني ايراد نص تشريعي بأنه ١-  لا يحق شرعا اقصاء كل فطيم من المدينة مطرة (( منطقة بين أرحب ونهم )) ٢- كما لا يجوز زواج بنات مدينة مطرة من خارجها والأهم ٣- لا يحق شرعا واد بنات المدينة من قبل أفراد الشعب شعب مطرة وتعدد الأزواج للمرأة والرجل . وكانت التوراة ممن حدد الزواج بأربع ، ويتناول الباحث المرأة والعبودية وهي عبودية مختلفة تماما عن العبودية في (( المركزية الأوروبية )) ، ووضع المرأة في الحروب ، والصراعات ، والرق ، وحقوق الاماء .في الفصل الثالث يدرس دور المرأة في الحياة الإقتصادية : الزراعة ،  التجارة ، الصناعة ،الغزل والنسيج ، وطحن الحبوب ، وصناعة الفخار ، ويشير الى توليها وظائف (( جباية الضرائب )) وإدارة اراضي المعبد . ويدرس الفصل الرابع دور المرأة في الحياة الدينية ، والرموز البشرية للمعبودات والوظائف التي شغلتها في المعابد ، والطقوس الدينية المتعلقة بها : الصيد الديني ، الحج ، الإستسقاء ، الصلاة،  الإعتراف بالذنب ، والزواج المقدس ، وتقديمها للقرابين ، كما يدرس الفصل الخامس دور المرأة في الحياة السياسية ، وجله مكرس لملكة سبأ : اسمها في الكتب الدينية ، وعند المؤرخين المسلمين ، وعند اللغويين ، والدارسين اليمنيين ، والغربيين ، ودورها السياسي ، والزيارة لسليمان وهدفها ، والموقع الجغرافي، كما يتناول الباحث مشاركة المرأة ، في تنصيب الملوك،  ودورها في الحروب والصراعات ، وفي الملاحق يقدم كشفا بأسماء زوجات المعينيين من الأجنبيات ، وخرائط اليمن واللوحات ، ثم الخاتمة،  وقائمة بالإختصارات ، وقائمة المصادر والمراجع.  الكتاب بحث عظيم ، وجديد ، والأهم اعتماده على النقوش والمراجع الموثوقة، ودراسة الوضع القائم بعيدا عن الإستعارة ، أو قراءة الواقع بعين أجنبية ، ورصد التشريعات الراقية ، حول المساوات والندية والتكافىء بين المرأة والرجل ، والعمل المشترك في مختلف الميادين ، ورقي التشريع المحرم واد البنات في حضارة اليمن قديما ، وحضارة المنطقة وهو ما يتجلى في الآية الكريمة ، واذا المؤودة سئلت بأي ذنب قتلت التكوين ٨ . الكتاب جهد بحثي راق ومفيد ، ورائع ، نتمنى ان يتواصل إلى المراحل المختلفة بما فيها الجاهلية الأولى والثانية في جنوب الجزيرة والتشريعات والقوانين التمييزية والجائرة التي تحرم المرأة من الشرف والكرامة كما هو حال واقعنا العربي اليوم

الكلمات الدلالية

إقرأ أيضاً