صنعاء 19C امطار خفيفة

شاعر أنهكه الطريق إلى العدالة

قضية السقاف.. ملف حقوقي مؤجل منذ ثلاثة عقود

2025-07-14
قضية السقاف.. ملف حقوقي مؤجل منذ ثلاثة عقود

في وطن تتعثر فيه العدالة تحت وطأة النفوذ، يقف الشاعر اليمني محمد السقاف منذ أكثر من ثلاثين عامًا على أعتاب المحاكم، متشبثًا بحق يرى أنه سُلب منه، ومتمسكًا بأمل لم تخمده السنوات ولا الحصار ولا الفقر.

 
بدأت الحكاية في 22 فبراير 1992، حين التحق السقاف بالعمل في شركة بازرعة، وكيل سيارات تويوتا في اليمن، كمندوب مبيعات خارجية. منحه حينها صاحب الشركة، رجل الأعمال أبو بكر بازرعة، راتب شهري أولي قدره أربعة آلاف ريال يمني وعمولة على كل سيارة يبيعها، مع إمكانية رفع الراتب والعمولة مع الوقت. ومع تفانيه في العمل، ارتفع راتبه خلال عامين ونصف إلى سبعة آلاف ريال. لكنه، كما يقول، لم يتسلم أبدًا العمولة المتفق عليها، رغم أنه تمكن من بيع ومتابعة تحصيل مبالغ تصل إلى 700 مليون ريال أودعت مباشرة في حساب الشركة. ويطالب السقاف بنسبة 10% منها كحق مشروع.

لكن طريق السقاف نحو العدالة لم يكن معبّدًا، إذ سرعان ما تحوّلت مطالبته بحقه إلى معركة قضائية شاقة وطويلة. فرغم أن اللجنة التحكيمية العمالية أقرت رسميًا بوجود علاقة عمل بينه وبين شركة بازرعة، وبأحقيته في مستحقات مالية ناتجة عن تلك العلاقة، سارعت الشركة إلى استئناف القرار، مطالبة بإحالة القضية إلى المحكمة التجارية بدلًا من اللجنة العمالية.

واصل السقاف جهوده القانونية، وتمكّن لاحقًا من انتزاع تأييد قضائي لقرار اللجنة، وفي عام 2000 أصدرت المحكمة العليا حكمًا نهائيًا لصالحه. لكن الحكم، وفقًا لما يرويه، ضاعت آثاره وسط عراقيل التنفيذ وتعقيدات الإجراءات، ولم يرا النور لسنوات طوال.

وفي عام 2012، تقدم السقاف مجددًا بالتماس إلى المحكمة العليا لتنفيذ حكمها السابق، إلا أن الطلب ظلّ معلّقًا حتى اليوم، دون أي إجراء ملموس.

"ذهبت إلى القضاء أطلب الإنصاف، فوجدته يتحوّل إلى خصم"، يقول السقاف بحسرة، مشيرًا إلى أن القضية التي بدأها قبل أكثر من ثلاثة عقود لا تزال عالقة في دهاليز القضاء، دون حلّ يلوح في الأفق.

في هذه الأثناء، لم يكن السقاف وحده في معركته. فقد حظي بدعم من اتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين، ونقابة الصحفيين اليمنيين، ووزارة حقوق الإنسان، التي طالبت في يناير 2005 عبر وزيرة حقوق الإنسان آنذاك أمة العليم السوسوة بسرعة البت في قضيته، التي تجاوزت حينها 11 عامًا دون إنصاف.
 
الدعم لم يكن كافيًا لكبح تغول النفوذ، كما وصفه بيان اتحاد الأدباء والكتاب، الذي اتهم الشركة والنيابة العامة وبعض مسؤولي اللجنة العمالية بـ"ارتكاب جرائم تعذيب نفسي وجسدي"، مستغلين نفوذ المال لإرهاب السقاف وعائلته. بحسب البيان الصادر عام 2005، تعرض السقاف للاعتداء والضرب والاختطاف، كما جرى اقتحام منزله وملاحقته مع أسرته، لإجباره على التوقيع تحت الإكراه على مستندات لم يكشف مضمونها.
 
وفي العام ذاته، وثقت نقابة الصحفيين اليمنيين تلك الانتهاكات، وأشارت في رسالة إلى النائب العام إلى تهديدات طالت السقاف بالزج به في سجن الأمن السياسي، واعتبرتها محاولة لإسكاته وكسر إرادته في المطالبة بحقه.
 
ورغم كل هذا، لا يزال السقاف يحمل أوراق قضيته، متنقلاً بين المكاتب القضائية، بعد أن باع معظم ممتلكاته واضطر للاستدانة كي يعيش. لم يعد الشاعر الذي يُكرّم في المحافل الثقافية، بل بات مطاردًا، يحيط به الإهمال، ويثقل كاهله المرض، ويكابد لتأمين قوت أسرته ودوائها.
 
"ذهبت إلى القضاء أطلب الحماية، فوجدت نفسي متَّهَمًا لا صاحب مظلمة"، يقول السقاف بحسرة، في وصف لرحلة صراعٍ أنهكته نفسيًا وماليًا، وخلّفت جراحًا لم تندمل، في وطن تتكاثر فيه الضغوط وتضيق فيه مساحات الإنصاف.
 
وفي سياق متصل، تواصلت "النداء" مع شركة بازرعة عبر البريد الإلكتروني، بهدف الاستماع إلى ردها بشأن ما ورد في هذه القضية من ادعاءات، ولإعطاء الطرف الآخر فرصة توضيح موقفه، إلا أن الصحيفة لم تتلقَ أي رد حتى لحظة نشر هذا التقرير. 
 
قضية السقاف، مرآة لواقعٍ تتكسر فيه أحلام البسطاء أمام جدران النفوذ والمال، وتُختطف فيه العدالة من بين أوراق المحاكم، قبل أن تكتب حكمها.
 
ومع كل ذلك، لم يفقد السقاف الأمل بعد، ولا يزال واقفًا في منتصف الطريق، ينتظر لحظة إنصافٍ قد تأتي، ولو بعد حين.

الكلمات الدلالية

إقرأ أيضاً