في خيام مهترئة على أطراف مدينة مأرب، تجلس أم محمد بجوار أطفالها الأربعة تحاول أن تقتسم معهم ما تبقى من وجبة بسيطة بالكاد تسد رمقهم. المشهد ليس استثناءً، بل هو صورة من معاناة يعيشها أكثر من 4.5 ملايين نازح داخلياً في اليمن، في ظل تفاقم أزمة الجوع وارتفاع مستويات انعدام الأمن الغذائي إلى معدلات مقلقة.
وفقاً لتقرير حديث أصدرته منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (الفاو)، يعاني أكثر من 70% من الأسر النازحة داخلياً في اليمن من انعدام الأمن الغذائي، مع بلوغ نسبة الأسر التي تواجه جوعاً معتدلاً أو حاداً نحو ثلث العدد الإجمالي للنازحين. ويمثل هذا مؤشراً خطيراً على تدهور الوضع الإنساني في البلاد التي تمزقها الحرب منذ نحو عشر سنوات.
ويشير تقرير "الفاو" الذي اصدرته نشرة السوق والتجارة لشهر أبريل الحالي، إلى أن نسبة انتشار انعدام الأمن الغذائي المعتدل أو الشديد بين النازحين داخلياً بلغت 74% خلال شهر مارس الماضي، موضحا أن الأسر النازحة التي تعيش داخل المخيمات تعاني بشكل أكبر، من تلك التي تعيش داخل المجتمعات المضيفة، حيث يصنف 77% من هذه الأسر ضمن الفئات ذات الاستهلاك الغذائي الرديء، مقارنة بـ 73% بين النازحين الذين يعيشون داخل المجتمعات المضيفة، وفقاً لمقياس تجربة انعدام الأمن الغذائي (FIES). وتعتمد معظم هذه الأسر على مساعدات غذائية متقطعة، توقفت كلياً أو جزئياً في العديد من المناطق بسبب نقص التمويل والتحديات الأمنية.
وبحسب التقرير، فإن النازحين داخلياً في مخيمات مأرب سجّلوا أدنى معدلات الحرمان الغذائي الشديد مقارنة بنظرائهم في المناطق الأخرى، بينما "عانى سكان المخيمات مستويات أعلى من انعدام الأمن الغذائي من الأفراد في المجتمعات المضيفة في محافظتي عدن وتعز".
ويعتمد كثير من النازحين على استراتيجيات تأقلم قاسية للبقاء على قيد الحياة، مثل تقليص عدد الوجبات اليومية، وتقليل كمية الطعام في كل وجبة، أو اللجوء إلى استهلاك أطعمة رديئة الجودة. ووفقاً للتقرير، فإن 52% من الأسر النازحة في المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين و44% في المناطق التابعة للحكومة المعترف بها دولياً، يلجؤون إلى استراتيجيات تكيف "شديدة الخطورة" على صحتهم وأمنهم الغذائي.
الجوع يتفاقم
ساهم توقف برامج المساعدات الغذائية في مناطق واسعة، خاصة الخاضعة لسيطرة الحوثيين، في دفع مزيد من النازحين إلى هاوية الجوع. وتواجه المنظمات الإنسانية صعوبات متزايدة في إيصال الإغاثة، وسط بيئة أمنية متدهورة وأزمة تمويل غير مسبوقة.
ودعت الأمم المتحدة والشركاء الإنسانيين المجتمع الدولي إلى مضاعفة جهودهم لدعم عمليات الإغاثة، وضمان استمرارية المساعدات الغذائية الطارئة للنازحين، مع التركيز على الفئات الأكثر ضعفاً، خاصة الأطفال والنساء وكبار السن.
وبحسب برنامج الأغذية العالمي، فإن 19.5 مليون شخص في اليمن بحاجة إلى المساعدات الإنسانية خلال عام 2025، في حين يواجه 17.1 مليون شخص درجات متفاوتة من انعدام الأمن الغذائي. ويؤكد البرنامج أن هناك حاجة ماسة إلى توفير 553 مليون دولار لتمويل عملياته الإنسانية حتى مايو 2025، بهدف تفادي مزيد من التدهور في الوضع الغذائي والصحي للنازحين والسكان المتضررين.
ومع تصاعد النزاع المسلح في اليمن، يتوقع المجلس الدنماركي للنازحين في تقرير حديث ان يصل عدد النازحين في اليمن إلى 5.1 مليون شخص بحلول نهاية العام الحالي 2025م. وارجع ذلك الى انعدام مؤشرات السلام في اليمن، وتدهور الاوضاع الاقتصادية وتدمير البنية التحتية مما يجعل عودة النازحين الى مناطقهم الاصلية أمرا بالغ الصعوبة.