صنعاء 19C امطار خفيفة

الحرب كخدعة: قراءة تحليلية في استراتيجيات الهيمنة والردع في عهد ترامب

مقدمة

لطالما كانت الحرب، عبر التاريخ، ميدانًا للخداع والمناورة بقدر ما هي ساحة للقوة والتدمير. ففي فلسفة "سن تزو" الشهيرة، تُعرّف الحرب على أنها "فن الخداع"، حيث يتم تضليل العدو، وتوجيهه نحو قرارات خاطئة، وتحييده دون اشتباك مباشر إن أمكن. هذا المفهوم لم يتلاشَ في العصر الحديث، بل تطور ليأخذ أشكالًا نفسية، اقتصادية، وإعلامية، كما برز بوضوح في سياسات الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب.

 
ترامب: نهج غير تقليدي للقوة
 
ترامب لم يكن رجل سياسة تقليديًا، بل جاء من خلفية تجارية قائمة على التفاوض القاسي، والمخاطرة المحسوبة، والاستعراض الإعلامي. وقد انعكس ذلك على سياساته الدولية، حيث اتبع أسلوب "الضغط الأقصى" الذي يعتمد على التهديد بالقوة، واستخدام العقوبات، والمناورة النفسية والسياسية دون الدخول في حروب شاملة.
 
الغارات الوهمية ورسائل الردع
 
من أبرز ملامح سياسة ترامب الخارجية كان استخدام الغارات المحدودة أو الضربات المحسوبة، مثل:
قصف قاعدة الشعيرات في سوريا عام 2017، بعد استخدام النظام السوري للأسلحة الكيميائية.
اغتيال قاسم سليماني عام 2020، والذي كان عملية استخباراتية عالية الدقة بعيدة عن الاجتياح العسكري.
هذه العمليات لم تكن بهدف فتح جبهات حربية، بل لإيصال رسائل استراتيجية:
1. نحن قادرون على الرد، لكننا لا نرغب بحرب.
2. التفوق الأمريكي ليس فقط عسكريًا، بل أيضًا سيكولوجي.
3. العدو تحت المراقبة، ورد فعله متوقع، ويمكن استغلاله.
 
الحرب النفسية وتضليل الخصوم
 
ترامب وظّف الإعلام بذكاء لخدمة أهدافه. فقبل أي تحرك، كانت تسريبات تُبث، وتصريحات تصدر، وتهديدات توجَّه، ما يخلق ضبابًا استراتيجيًا يجعل الخصم في حالة ارتباك، لا يدري ما إذا كان التهديد حقيقيًا أو مجرد خدعة.
هذا النوع من الضغط يجعل الدول المعادية في حالة تأهب دائم، ما ينهكها اقتصاديًا ونفسيًا، ويُفقدها القدرة على اتخاذ قرارات عقلانية، وقد يدفعها نحو الاستسلام السياسي أو التفاوض بشروط غير متكافئة.
 
النتيجة: الهيمنة دون حرب
 
على عكس ما قد يبدو للبعض، ترامب لم يكن متهورًا عسكريًا، بل كان بارعًا في إدارة الحرب كأداة سياسية دون خوضها فعليًا. فحتى في أشد فترات التوتر مع إيران أو كوريا الشمالية، حافظ على خط الرجعة، وترك الباب مفتوحًا للحوار، لكنه لم يتخلّ عن استعراض القوة.
 
خاتمة
في عصر يتغير فيه شكل الصراع من ميادين الحرب إلى فضاءات الإعلام والاقتصاد، يظل الخداع عنصرًا جوهريًا في الاستراتيجية الكبرى. وترامب، على خلاف ما يُروَّج أحيانًا، لم يكن يتخذ قرارات عسكرية بلا دراسة، بل وظّف "الخدعة" كأداة ردع، وأثبت أن إسقاط القنابل ليس دائمًا الطريق الوحيد نحو الانتصار.

الكلمات الدلالية

إقرأ أيضاً