صنعاء 19C امطار خفيفة

الأسرة نواة المجتمع ومرآة تطوره

بخط اليد، كتب الأجداد على جدران القلوب: "البيت عامرٌ بأهله، لا بجدرانه".

فإذا كانت الأمم تبنى بالأحلام والعمل، فإن أساس هذه الأحلام يبدأ من حضن أم، ونظرة أب، وهمسة جدّة، وركنٍ صغير في منزلٍ يضمّ أرواحًا تسكنه بالحب، لا بالأثاث.

 
الأسرة، تلك الخلية الأولى التي ينبض فيها قلب المجتمع، ليست مجرد إطار اجتماعي تنظمه العادات والقوانين، بل هي صورة مصغّرة لعالم نأمل أن يكون أكثر عدلًا، ورحمة، وتوازنًا. فيها يتعلّم الطفل أول حرف، ويُصغي لأول دعاء، ويخوض أول تجربة حب وتعاون واحترام.
وفي ظل التحولات العاصفة التي يشهدها عالمنا اليوم -من فوضى القيم، وتسارع التكنولوجيا، وتبدّل المعايير- تظل الأسرة اليمنية خاصة، والعربية عامة، تقف أمام مفترق طرق:
إما أن تتشبّث بتقاليد لم تعد تلبي احتياجات أبنائها، أو أن تذوب في تيارات لا تعرف لها أصلًا ولا وجهة، أو أن تنهض من جديد، فتعيد اكتشاف ذاتها، وتستمد من تراثها النبيل ما يقوّيها، وتستفيد من بصائر هذا العصر ما يجددها.
الأسرة الحيّة ليست التي تخلو من الخلافات، بل التي تتعلّم كيف تحوّل خلافاتها إلى فرص للتشاور، وتربّي أبناءها على أن القوة في اللين، والقيادة في التواضع، والمكانة في الخدمة. في بيت كهذا، لا يُعاب على الأب إن ساعد في أعمال المنزل، ولا يُعدّ عيبًا أن تساعد الأم طفلها في الواجبات المدرسية، أو تناقشه في قضايا مجتمعه.
وفي عالم تنهار فيه الكثير من النُظم القديمة، نجد أن منبع الأمل الحقيقي هو بناء أسرة جديدة لمستقبل جديد؛ أسرة لا يقوم فيها الاحترام على الخوف، بل على المحبة، ولا تُقسم فيها الأدوار على أساس ذكورة أو أنوثة، بل على أساس القدرة والرغبة والاتفاق.
ومهما بلغ التعليم والتقدّم، يبقى السؤال الأهم:
هل تعلّمنا كيف نحب بعضنا داخل البيت؟ كيف نستمع؟ كيف نعفو؟
الأسرة التي تُربى على القيم لا تخرّج أفرادًا ناجحين فحسب، بل تُهدي للمجتمع مواطنين صادقين، يعرفون أن بناء الوطن يبدأ من بناء العلاقات في البيت، من فهم الآخر، من الإخلاص للبيت كما نخلص للبلد.
فيا أيّها القارئ الكريم، حين تعود هذا المساء إلى بيتك، لا تبحث عمّا ينقصك فيه، بل ابحث عمّا يمكنك أن تضيفه له من دفء، أو كلمة طيّبة، أو لحظة إنصات، فربما كانت تلك اللفتة البسيطة، أول لبنة في مجتمع جديد... يبدأ من بيتك.

الكلمات الدلالية

إقرأ أيضاً