صنعاء 19C امطار خفيفة

لسان اليمن الذي تكثَّف في عدن.. عن الكلمات الشعبية الشائعة ومصادرها اللغوية

لسان اليمن الذي تكثَّف في عدن.. عن الكلمات الشعبية الشائعة ومصادرها اللغوية

في العام 2020 صدر بواسطة مكتبة الجيل الجديد ناشرون بصنعاء، كتاب "لسان عدن -معجم لغوي"، لمؤلفه أمين محمد حيدر شمسان "المحامي"، ويبحث هذا الكتاب المهم في جذور كلمات المحكي الشعبي لمدينة عدن في المعاجم العربية التقليدية، وقد خلص المؤلف، حسب ما ذهبت إليه مقدمة الكتاب، أنه رأى "فيه معجمًا مصغرًا لمعجم اليمن، لما لعدن من ميزة خاصة عن سائر مدن اليمن، فهي النسيج الاجتماعي المصغر لأهل اليمن كافة، كونها الميناء التاريخي لليمن والدويلات التي تعاقبت في حكم اليمن من زيادية وصليحية وطاهرية ورسولية وغيرها؛ مما جعل عدن محطّ أنظار أهل اليمن للتوطن والإقامة، فاستوطنها الجميع، وشكلوا نسيجها الاجتماعي، فاختزلت لغتهم جميعًا"[ص14].

 
وعملية الجمع والتأليف لمادة الكتاب التي امتدت لأربع عشرة سنة، عززت لدى المؤلف قناعة كبيرة "إلى أن أهالي عدن يختزنون كنزًا من لغة العرب، وعلى ألسنتهم مفردات لا يفقهها غيرهم، بل ومفردات من الإنجليزية يجهل أهل اللغة أن أصلها عربي، ولا يتناقلها إلا العدنيون، وقد خلص بعد البحث والتحري -كما قال- إلى أن في عدن كنزًا من لغة العرب، ومخزنًا لكثير من مفردات اندثرت من الأفواه رغم وجودها في بطون أمهات المعاجم والكتب. بل إنه وجد كلمات قد خلت من المعاجم كافة لندرتها، ثم تجدها عابرة في معجم دون غيره، إلا أنك تجد هذه الكلمات على ألسن الناس في عدن؛ وكذا وجود كلمات اختلف فقهاء اللغة في تفسيرها، وقال المؤلف لو جاؤوا إلى عدن لأجمعوا عليها"[ص7].
 
في تكوين عدن الحديث الذي ابتدأ منتصف الأربعينيات، أي بعد أن فرغ العالم من حربه الكونية الثانية، ستكتسب المدينة الكوزموبوليتيّة هويتها التعددية باستيعابها للوافدين الجدد من الريف اليمني المتنوع، بعد أن ارتفع الطلب على الأيدي العاملة بفعل تعاظم النشاط الاقتصادي والتجاري الخدمي في المدينة، "وعمل المستعمرون الإنجليز على أن تكون عدن مدينة عصرية في محيطها المتخلف، فمدّوها بوسائل الحداثة والخدمات، لتجتذب إليها الكثير من المهاجرين من مناطق الريف اليمني الباحثين عن فرص عمل، أو لتكون نقطة عبور لهم إلى غيرها من البلدان والمدن على الضفة الأخرى وأوروبا والعالم الجديد".
 
"وأدّت عدن دورًا مهمًّا باعتبارها فضاءً جوهريًّا ومؤثرًا في حركة الشخصية ومصيرها، وعتبة للتحول والاتصال بين الداخل والخارج، فهي في نظر معظم الشخصيات الروائية، جسر عبور نحو البحر وخوض مغامرة الهجرة"، كما يقول عبدالحكيم باقيس.
ازدادت المدينة اتساعًا ونموًّا في سنوات ما بعد الحرب العالمية الثانية، بعد تحولها إلى قاعدة عسكرية وتموينية تتبع وزارة المستعمرات البريطانية، وصارت موقعًا اقتصاديًّا وتجاريًّا مهمًّا بعد توسيع وتطوير الميناء، وإنشاء مصفاة عدن الصغرى "البريقة"، بواسطة شركة "بي بي" العملاقة "بريتيش بتروليوم"، وهو الأمر الذي جعل المدينة حاضنة لآلاف النازحين من ريف اليمن المتوكلي ومناطق المحميات اليمنية في الجنوب والشرق، الذين كانوا يعانون من التمييز المناطقي في ذروة شعار "عدن للعدنيين"، الذي رفعته الجمعية العدنية أواخر الأربعينيات.
ويذهب صاحب "لسان عدن" إلى قول مشابه لهذا الطرح حين قال: "في مطلع الخمسينيات من القرن العشرين في بداية تأسيس شركة "مصافي عدن"، باتت عدن من أهم الموانئ في المنطقة آنذاك؛ حيث كانت ترسو في ميناء عدن، للتزود بالوقود سنويًّا خمسة آلاف سفينة. وأمام هذا الرقي الحضاري والاقتصادي والاجتماعي، الذي جعل من عدن قبلة لأهل اليمن كافة، ومحط أنظارهم، يتقاطرون عليها فُرادى أو جماعات، للتجارة أو التوطّن والإقامة، فكانت موطنًا لكثير منهم، فتباركت أرضًا بهم وتباركوا بها، فامتزجت ثقافتهم بثقافتها، في نسيج اجتماعي وثقافي وحضاري أساسه التسامح الديني والمساواة، بعيدًا عن الفكر الطبقي السلالي، فكانت عدن لهم الوطن والقبيلة، مما جعل الاعتزاز بالانتماء إلى عدن أحد أهم الأسباب في نبذ العصبية القبلية وعدم الاهتمام بتوثيق سلالات الأنساب"[ص29].
وتبعًا لكل ذلك "كانت عدن، ولم تزل، مزيجًا اجتماعيًّا من أبناء اليمن كافة ورمزًا لنسيجه الاجتماعي ووحدته الثقافية والحضارية وجامعة مفتوحة للهجات أبنائها وأبناء من وفدوا إليها، فاختزلت لغتهم جميعًا، مما أكسبها ثروة لغوية عظيمة"[ص30].
وسنتوقف في هذه المقاربة أمام ثلاثة نماذج يقدمها الكتاب، تستحق أن تكون نماذج واضحة لمحتوى الكتاب، وهي على النحو التالي:
- في باب حرف الميم تأتي كلمة "مَاتِك"، وتعني في اللهجة العدنية الطعام الذي بدون ملح، والذي يعرف أيضًا بالطعام "التَّافل"، وعند البحث في معاجم العرب عن معنى "ماتك" وجدها المؤلف بمعانٍ كثيرة، ومنها "المَتكُ" وهو ما تبقى من بظر المرأة بعد ختانه. فـ"الماتك" لُغةً المرأة المختونة، فمن عادات بعض الأقوام ختان البنت؛ "لكسر شهوتها وإخماد أنوثتها"، وهو ما يعرف بالمرأة الباردة، وقياسًا عليه يقال في عدن للأكل البارد الذي لا يستساغ "ماتك"، ويقابلها قولهم امرأة مملوحة، ومن الطرائف في عدن أن يقال للمرأة السَّافية الباردة "إنها تحتاج جونية ملح".
في باب حرف الفاء تبرز كلمة "فشفشة"، وهي الإفراط في الحديث جهلًا بالأمور كلها، والفشفشي من الألقاب المذمومة في الرجل المدعي جهلًا إحاطته بالأمور. يقال في المثل العدني "فشفشي يعرف كل شيء"، والفاشوش الكذب.
جاء في لسان العرب في كلمة فشفشة، حسب المعجم، ضعف الرأي، والفشُّ النميمة، والفشُّ أيضًا الأحمق، والانفشاش: الانكسار عن الشيء والفشل.
- في باب حرف الطاء نصادف كلمة "طَسِيسٌ"، والطسيس هو الغشيم الأجوف فارغ العقل، يقال: "فلان طسيس" أي لا يفقه شيئًا، والطسيس جمع "طاسة وطست"، فقد ورد في لسان العرب "الطَّسُّ والطسَّة والجمع أطساس وطسوس وطسيس"، ورأى المؤلف أن الأجداد أرادوا تشبيه صاحب العقل الأجوف بالطاسة، كونها جوفاء من الداخل، ونشأ منها المثل العدني الذي يقول: "الطاسة الفارغة تطِنّ".
- في باب حرف الزين تظهر كلمة "زَقزَقَ"، والزقزقة شرب الماء، ويغلب استعمالها في شرب الخمر، فيقال في عدن: "فلان يزقزق" أي يشرب الخمر، وأصلها من "الزِّق" وهو اسم من أسماء الخمر، كما ورد في معاجم العرب.
كثير من الكلمات غير العربية دخلت إلى اللهجة العدنية، ومنها أسماء أشياء شائعة وكثيرة التداول، ومنها كلمة: "شَمبَل"، و"الشمبَل" جمعه شنابِل، وهو الحذاء الخفيف المصنوع من البلاستيك، وأصل الكلمة هندية (جِبل- Chppl)، وكلمة "شُولة"، والشولة الموقد (البوتجاز)، وأصل الكلمة هندي أيضًا "choola"، أما كلمة "شِيدَر"، وتطلق على عباءة القماش سوداء اللون، وتلتحف بها المرأة من رأسها -دون الوجه- حتى أخمص قدميها، فهي فارسية وأوردو "جادر- chader".

الكلمات الدلالية

إقرأ أيضاً